يصير اللفظ مجملا لا يحمل على شيء من أطراف الترديد ما لم يكن اللفظ في بعضها أظهر ، والأظهريّة تكون بكثرة الاستعمال كما تكون في الصورة الثالثة بقوّة العلاقة.
وليعلم أنّ أصالة الحقيقة لا تختصّ بالشكّ في المجاز بل تجري مع العلم بإرادة الحقيقة ، لكن شكّ في أنّ المراد الجدي هل هو هذا الذي استعمل اللفظ فيه ، أو هو غيره؟ فيحكم بحكم هذه الأصالة أنّه هو هو.
ولذا يأخذ بهذه الأصالة في الحكم بالعموم من لا يرى التخصيص بالمنفصل تجوّزا في العموم ، وتصرّفا في اللفظ باستعمال في الخاصّ ، بل اللفظ مستعمل عنده في العموم ، والقصر وارد على المراد الجدّي بقرينة أقيمت عليه وهو المخصّص.
الجاهل بلغة قوم إمّا أن يكون جاهلا محضا بتلك اللغة ، وإمّا أن يكون جاهلا به تفصيلا مع العلم به ارتكازا.
أمّا الجاهل الأوّل ، فطريق استعلامه منحصر بالرجوع إلى أرباب اللغة. وقد عرفت أنّ ربّ اللغة ليس منحصرا بالواضع الأوّل ، بل كلّ متابعيه هم أرباب اللغة ، وكلّهم واضع تلك اللغة ـ هذا ابتداء والبقيّة بالتبعيّة ـ فلو اعتبر قول الواضع الأوّل لزم اعتبار قول آحاد أرباب اللغة. ولو لم تعتبر أقوال المتابعين لاحتمال اشتباه أو تعمّد كذب لزم ألا يعتبر قول الواضع الأوّل أيضا لعين هذا الاحتمال.
والظاهر أنّ بناء العقلاء جار في استعلام اللغات على الرجوع إلى كلّ فرد فرد من أرباب تلك اللغة حتّى لو كان صبيّا أو مجنونا ، لكنّ الظاهر أنّ ذلك ليس بمناط التعبّد ، بل بمناط حصول الاطمئنان ، فبعين هذا المناط يرجع إلى كلّ مطّلع على اللغة وإن لم يكن من أربابها كصاحب القاموس وأضرابه.
ثمّ إنّ إخبار أهل اللغة تارة يكون بالقول الصريح ، وأخرى يستنبط ذلك منهم بالتبادر لديهم وصحّة الحمل عندهم بلا رعاية علاقة ، وثالثة بالاطّراد في الاستعمال.
وقد يتخيّل عدم دلالة الاطّراد على الحقيقة بتوهّم اطّراد المجازات أيضا في أنواع علائقها (١).
__________________
(١) راجع كفاية الأصول : ٢٠ ؛ زبدة الأصول : عند قوله في علائم المجاز.