وعدم الآخر لا يستند إلى وجود هذا إلّا إذا كان مقتضيه بشرائطه موجودا ، ولعلّ هذا كان محالا ؛ لأنّ وجود أحد الضدّين يلازم ارتفاع مقتضى الآخر (١).
لا لما قيل من كفاية التوقّف الشأني في لزوم محذور الدور ـ وإن لم يلزم هو بنفسه ـ وإن كان ذلك أيضا صحيحا (٢).
بل لفعليّة التوقّف في كلا الجانبين ؛ فإنّ دعوى الشأنيّة ناشئة من حسبان عدم استناد ارتفاع المعلول إلى وجود المانع إلّا في ظرف اجتماع سائر أجزاء العلّة وإلّا استند إلى عدم سائر أجزاء العلّة ، وهو توهّم فاسد ؛ فإنّه إذا ارتفع جميع أجزاء العلّة استند ارتفاع المعلول إلى جميعها ، ولا وجه لقصر استناده إلى ارتفاع سائر أجزاء العلّة ما عدا علم المانع ؛ فإنّ نسبة ارتفاع المعلول إلى ارتفاع كلّ جزء نسبة واحدة.
نعم ، لو اختصّ الارتفاع إلى جزء من أجزاء العلّة مع وجود بقيّة الأجزاء استند عدم المعلول إلى ذلك الذي ارتفع ، ولكن إذا ارتفع الجميع استند إلى ارتفاع الجميع بلا ترجيح استناد ارتفاعه إلى ارتفاع البعض على استناده إلى البعض الآخر ، فالدور بحاله لا دافع له. لكنّ نتيجة الدور خروج المانع من العلّيّة ، وعدم كون ارتفاعه من أجزاء العلّة ، لا خروج الضدّ من صفّ المانع الاصطلاحي ودخوله في المانع بمعنى آخر ، على أن ينقسم المانع على قسمين :
قسم يمنع المقتضي في تأثيره ، وأخر يزاحم الشيء ويعانده في وجوده. والمعدود عدمه من أجزاء العلّة هو الأوّل دون الثاني ، والضدّ من قبيل الثاني دون الأوّل ؛ فإنّ الحقّ أن المانع ليس له إلّا قسم واحد وهو ما يضادّ الممنوع ، ولمكان مضادّته للممنوع يمنع المقتضي في تأثيره. فأكبر مانع اصطلاحي هو الجسم المانع عن نفوذ الماء إلى الطرف المقابل ، وأنت إذا تأمّلت في مانعيّته ترى أنّ ذلك من جهة مضادّة الجسمين وعدم اجتماعهما في فراغ واحد. فإذا كان أحد الجسمين قد ملأ الفراغ بالدقائق المؤلّف منها قطرة منع ذلك من دخول ذرّات جسم آخر ـ وهو الماء في المثال في ذلك الفراغ ـ ولذلك ينفذ الماء في ذرّات جسم آخر
__________________
(١) نقله في مطارح الأنظار : ١٠٩ عن المحقّق الخوانساري.
(٢) كفاية الأصول : ١٣١ حيث قال : «إلّا أنّ غائلة لزوم توقّف الشيء على ما يصلح أن يتوقّف عليه على حالها».