وأمّا الثاني منها فباستلزامه بطلان الأطراف جميعا حينما يؤتى بها دفعة ؛ لأنّ وجود كلّ منها يرفع التكليف عن ما عداه فيصبح الكلّ بلا تكليف.
وأمّا الثالث فباستلزامه فساد الأطراف حتّى إذا أتى بها متعاقبا ، وإنّما يصحّ حينما يقتصر على واحد بلا سبق ولا لحوق من آخر.
وأمّا الاحتمال الثاني فباطل أيضا باحتمالاته ، بل هو أشدّ فسادا من الأوّل ؛ لأنّه ـ مضافا إلى لزوم المحاذير السابقة ـ مستلزم لطلب النقيضين ؛ فإنّ وجود كلّ واحد من الأطراف يكون مطلوبا. أمّا وجوده فلأنّه المفروض ، وأمّا عدمه فلأنّه شرط واجب التحصيل للآخر.
وأمّا الاحتمال الثالث فهو كالاحتمال الأوّل طابق النعل بالنعل.
وأمّا احتمالات القول الثاني ـ وهو كون الواجب واحدا من الأطراف إمّا تعيينا أو على سبيل البدل ـ فاحتمالاته أيضا ثلاث :
الأوّل : أن يكون الواجب واحدا معيّنا من الأطراف وكانت البقيّة مسقطة للواجب.
الثاني : أن يكون الواجب واحدا مردّدا أعني ما هو مفاد النكرة.
الثالث : أن يكون الواجب عنوان أحد الأطراف أعني هذا المفهوم الكلّي الصادق على كلّ واحد منها.
والكلّ باطل ؛ أمّا الأوّل فلأنّه لا ميز للواجب عن غيره ليختصّ بالوجوب وإلّا خرج عن الواجب التخييري.
وكون الواجب هو ما اختاره المكلّف ، فاختيار المكلّف يكون هو المائز ، يدفعه : أنّ الاختيار متفرّع على التكليف المتفرّع على الميز ، فكيف يتفرّع عليه حصول الميز؟!
وأمّا الثاني فلأنّ المردّد الخارجي لا وجود له ، فكيف يتعلّق به التكليف؟!
وأمّا الثالث فلأنّ مفهوم واحد من الأطراف مفهوم انتزاعي ، فكيف يقوم به مناط التكليف؟! ولو سلّمنا كان ذلك داخلا في إيجاب القدر المشترك الذي هو ثالث الأقوال في المسألة. ولا يرد عليه شيء سوى أنّه خلاف ظاهر الأدلّة ، لكنّ التصرّف في الظاهر ممّا لا بدّ منه بعد عدم معقوليّة الأخذ به ، فيحمل الخطاب التخييري على الإرشاد إلى حكم العقل بالتخيير في موضوع خطاب الشارع بالواحد الجامع بين الأطراف.