من سائر المراتب النازلة ممنوع ؛ فإنّ مجموع الباقي وما ينقص عنه بواحد في نظر العرف على حدّ سواء من الشباهة ، مع أنّ العلاقة الملحوظة في المقام ليست هي المشابهة. وكون مجموع الباقي أقرب إلى الكلّ عددا مسلّم ، لكن لا عبرة بالقرب من حيث الكمّ ما لم يوجب قوّة العلاقة.
وربما يقال في سند تعيّن حمل اللفظ على مجموع ما عدا الخارج وجهان :
الأوّل : أنّ للعامّ دلالات متعدّدة حسب كثرات الأفراد لا ترتبط بعضها ببعض ؛ فإذا انهدم بعض تلك الدلالات بدليل التخصيص ـ وهو دلالته على الفرد الخارج ـ لم يوجب ذلك انهدام البعض الآخر ممّا لم تقم قرينة على تخصيصه ، فكان حمل اللفظ على مجمع الباقي هو مقتضى أصالة الحقيقة وأصالة الظهور ؛ فإنّ الظهور لم ينثلم إلّا بمقدار ما خرج ، وما عدا ذلك [باق] على ظهوره الوضعي الحقيقي ، وإنّما يوصف مع ذلك بالمجازيّة باعتبار عدم إرادة البعض الخارج لا باعتبار إرادة البعض الداخل (١).
الثاني : أنّ العامّ لم تنثلم دلالته بوجه ، فهو على ظهوره في تمام الأفراد. وإنّما المنثلم حجّيّته لقيام حجّة أقوى على الخلاف ، فيرفع اليد عن الحجّيّة بمقدار ما قامت الحجّة فيه على الخلاف ، وفيما عدا ذلك يحكم بحجّيّته قضاء لحقّ ظهوره بعد فرض عدم انهدامه بوجه (٢).
توضيح ذلك : أنّ للّفظ ظهوران طوليّان وارد أحدهما في موضوع الآخر :
الأوّل : ظهوره في أنّ المعنى مراد من اللفظ مرادا استعماليّا ، وهذا هو الظهور الذي أوجبه وضع اللفظ ، وهو الذي تقضي به أصالة الحقيقة عند الشكّ في المجاز. وفي هذا تستوي دواعي الاستعمال فإن كان عن جدّ أو هزل كان الظهور محفوظا والاستعمال على وجه الحقيقة.
الثاني : ظهوره في أنّ ما استعمل فيه مراد جدّا وقد أطلق بداعي الجدّ لا بسائر الدواعي. وهذا الظهور هو نتيجة بناء آخر من العقلاء على حمل كلام كلّ متكلّم على الجدّ ، فإذا ورد
__________________
(١) انظر مطارح الأنظار : ١٩٢.
(٢) كفاية الأصول : ٢١٨.