لم يعلموا رجحانه في الشريعة تمسّكا بخطاب «أوفوا بالنذور» (١) حينما يتعلّق به ؛ فإنّ العموم المذكور وإن خصّص بدليل منفصل بإخراج النذر غير الراجح ، إلّا أنّ ذلك لا يمنع من التمسّك بالعامّ في الأفراد المشتبهة الرجحان على المبنى. ونتيجة هذا التمسّك بعد ضمّ الملازمة المستفادة من دليل التخصيص بين وجوب الوفاء ورجحان متعلّق النذر هو رجحان مشكوك الرجحان.
بل أقول : لا يلزم النذر الفعلي في ذلك ، بل كفى فرض تعلّق النذر بأن يقال : لو تعلّق به نذر لوجب الوفاء به بحكم عموم «أوفوا بالنذور» ، ولا شيء من نذر غير الراجح يجب الوفاء به ، فيستنتج أنّ نذره نذر للراجح. وفتح هذا الباب من الاستدلال يسدّ باب التمسّك بأصالة البراءة. فكان ذلك من أعظم الشواهد على بطلان التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.
نعم ، لو كان اعتبار رجحان متعلّق النذر مستفادا من قيد متّصل بخطاب «أوفوا بالنذور» لم يتّجه ما ذكرناه ؛ لأنّ المتمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة لا يتمسّك به هناك.
إزاحة وهم
لا مناسبة بوجه بين التمسّك بعموم «أوفوا بالنذور» لإثبات رجحان المتعلّق وبين الحكم بصحّة الإحرام قبل الوقت والصوم في السفر بالنذر ليؤيّد بهما المقام ؛ فإنّ البحث في المقام في جواز التمسّك بعموم «أوفوا بالنذور» لإثبات رجحان المتعلّق في ذاته ، وهناك يحكم بطروء الرجحان بتعلّق النذر بعد القطع بعدمه في ذاته. فالفرعان شاهدان على ثبوت التأثير للنذر في رجحان المتعلّق. لكن ذلك ممّا لا يلتزم به أحد.
ومن جانب آخر التزام خروج الفرعين من عموم اعتبار الرجحان في متعلّق النذر يوجب محذور أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ؛ فإنّ معنى «أوفوا» حينئذ : ائت بالعملين بداعي أمر أوفوا ؛ إذ الفرض ألا أمر سابق ، مع أنّ خطاب أوفوا توصّلي
__________________
(١) هذا الخطاب مستفاد من قوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) الحج (٢٢) : ٢٩ وقوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان (٧٦) : ٧.