فإن أريد من التوصّليّة ما يعمّ هذا لم تكن مضايقة من تسليمه واعترفنا بوجودها في الشرعيّات لكن لا يوجب هذا صحّة تقسيم الواجب إلى قسمين ، بل الواجب ليس إلّا القسم التعبّدي وما عداه غير واجب ومسقط للواجب.
والذي أنكرناه هو كون التوصّلي من أقسام الواجب بحيث يقع الفعل الخالي عن قصد التقرّب بصفة الوجوب ، وفي هذا ليس كذلك ، كيف وإلّا لزم أن يقع الفعل الخارج عن الاختيار ـ بل فعل غير ذي الشعور ـ بصفة الوجوب بمجرّد أنّه كان مسقطا للواجب!
ثمّ إنّا علمنا ممّا ذكرناه ـ من قصر المطلوب ومتعلّق الإرادة ما هو نتيجة ما اصطنعه المولى من المقدّمات في الوصول إلى مقصده ـ أنّ مطلوب الشارع في تكاليفه نتيجة إحدى مقدّمات ثلاث دون خصوص نتيجة الطلب ؛ لما رأينا أنّه لم يقتصر على مجرّد التكليف ، بل ملأ كتابه العزيز من الوعد بالأجر على العمل والوعيد بالجزاء على المخالفة.
فعلمنا أنّ الفعل الحاصل بداعي كلّ من التكليف والأجر والأمن من العقاب مطلوب الشارع ، وكان كلّ منها في عرض الآخر عبادة له ـ وإن تدرّج في الفضل ـ إذ ليست العبادة هي خصوص ما كان بداعي الطلب ليحكم بفساد ما كان بأحد الداعيين الآخرين ما لم يكن من قبيل الداعي على الداعي ؛ فإنّ الإطاعة من الطوع وهو انفعال من غيره ، فلو قلت : أعطيك كذا إن فعلت [كذا] ففعل طلبا للجزاء فقد أطاعك ، مقابل من لم يتأثّر من هذا القول. وكذا إذا قلت : أضربك إن فعلت ، فترك خوفا من العقاب. وكذا العبادة هي الخضوع لناموس المولى والاتّباع لقانونه ولو كان داعيه تحصيل أجره الموعود أو الأمن من عقابه.
وكفاك شاهدا على هذا وعد المولى ووعيده ، فلولا صحّة العمل بداعيهما كان جعلهما إغراء قبيحا بعد كما تقدّم وسيجيء من بطلان الداعي على الداعي.
وإلى العبادات الثلاث أشار عليهالسلام بقوله : «العبادة ثلاثة : قوم عبدوا الله عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبّا له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة» (١).
ومن هنا تتوسّع عليك الحال في العبادات المترتّبة عليها بعض الخواصّ الدنيويّة من
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ٦٢ أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٩ ، ح ١.