وبينهما في الأحكام ؛ زعما بأنّهما في الأحكام لا يستدعيان إلّا مصلحة في مجاريها ـ بناء على السببيّة ـ وهذه مصلحة مستقلّة لا دخل لها بمصلحة الواقع ، فمصلحة الواقع باقية غير مستوفاة يجب الإعادة بعد كشف الخلاف لاستيفائها (١) ؛ وذلك لأنّ دليل اعتبار الأمارة كدليل اعتبار الأصل ناظر إلى الواقع موسّع له بالنسبة إلى ما قامت عليه الأمارة. وأيّ فرق بين عبارة «لا تنقض» (٢) وبين عبارة «صدّق البيّنة» (٣) في توسعة دليل «لا صلاة إلّا بطهور» (٤) هذا [بالنسبة] إلى الطهارة القائمة عليها بالبيّنة ، وذاك [بالنسبة] إلى الطهارة المستصحبة.
ثم أيّ فرق في الدليلين بين مندرجاتهما ليعامل معهما في الأحكام خلاف معاملتهما في الموضوعات ؛ فإنّ دليلا واحدا لا تختلف نسبته إلى مصاديقه وجزئيّاته.
فالحقّ أنّ الدليلين كلاهما ناظران إلى الواقع شارحان له مع عموم هذا النظر بالنسبة إلى جميع ما هو مندرج تحتهما ـ فينشئان مؤدّى ما اعتبراه بعنوان أنّه الواقع توسعة للموضوع في الموضوعات وتوسعة للحكم في الأحكام. فإذا كان الواقع هو وجوب صلاة الظهر ونهض أصل أو أمارة على وجوب صلاة الجمعة ، كان معنى «صدّق الأصل أو الأمارة» هو وجوب صلاة الجمعة ، ومع ذلك لا يصادم دليلهما دليل صلاة الظهر ، بل وجبت الصلاتان تخييرا بعد الإجماع على عدم وجوبهما جميعا.
وإن شئت قلت : إنّ الواجب هو الجامع بينهما بعد بطلان التخيير أيضا في المقام ، بل مطلقا كما يجيء في محلّه. فإذا صلّى الجمعة فقد أتى بمصداق من الواجب وبرئت ذمّته ، وهكذا إذا صلّى الظهر مع فرض التمكّن من نيّة التقرّب.
وبمثل هذا يقال في الأمارة أو الأصل القائمين على الموضوعات. ومن هنا يظهر بطلان توجيه الإشكال بالتصويب على القائلين بالإجزاء ؛ فإنّ التصويب يكون برفع اليد عن الواقع لا بضمّ غير الواقع إلى الواقع.
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) أشار بعبارة «لا تنقض» إلى مدلول أدلّة حجّيّة الاستصحاب ، فقد ورد في أدلّتها قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» راجع التهذيب ١ : ٨ / ١١ ووسائل الشيعة ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.
(٣) أشار بهذه العبارة إلى ما يستفاد من أدلّة حجّيّة البيّنة ولم ترد هذا اللفظ في حديث.
(٤) التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ، ب ١ ، ح ١.