ـ بل لو قصد امتثال أمر زعمي فظهر أنّ أمر العمل أمر آخر على خلاف ما زعمه كفى ذلك ـ كما إذا أكرم زيدا بتوهّم أنّه هاشمي فظهر أنّه عالم.
فيردّه : أنّه إن كان مأخوذا في موضوع الأمر الغيري التعبّد بالأمر النفسي لم يعقل قصد الأمر الغيري بلا قصد سابق للأمر النفسي كما ذكرناه أوّلا ، وإن لم يكن مأخوذا لم يكن ملزم للمكلّف يلزمه بالنيّة وقصد الأمر ، فلا يتمّ الجواب عن أصل الإشكال. مع أنّ كفاية قصد أمر عن قصد أمر آخر غير مسلّم. فهل تصحّ الصلاة وتقع بقصد أمر «اقض حاجة أخيك المؤمن» حيث يطلبها المؤمن ، أو يصحّ الصوم طلبا لتصحيح المزاح؟!
ومنها : أنّ اعتبار النيّة في الطهارات ليس لعباديّة أوامرها وباقتضاء من أوامرها ـ كي تنتقض بها قاعدة عدم عباديّة الأوامر الغيريّة ـ بل لضرورة خارجيّة دعت إلى ذلك ، مع كون أوامرها توصّليّة. وتلك الضرورة هي أنّ الطهارات ليست في ذاتها مقدّمات ، وإنّما تعرض لها المقدّميّة بعنوان قصدي يعرضها. وهذا العنوان القصدي غير معلوم لنا من أيّ عنوان هو حتّى نقصده فيحصل ذلك العنوان بقصدنا وبذلك يتمّ عنوان المقدّميّة ، فلا جرم احتجنا إلى الإشارة إليه من طريق سبيل قصد الأمر ؛ إذ كان الأمر متوجّها إلى ذلك العنوان ، وكان قصده قصدا إجماليّا لذلك العنوان ، فكان قصد الأمر طريقيّا لأجل الوصول إلى قصد عنوان المأمور به ، لا ذاتيّا كي يلزم انخرام قاعدة أنّ الأمر الغيري لا يكون عباديّا. ويكفي في دفع انخرام القاعدة احتمال هذا بلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه ؛ فإنّ القاعدة حينئذ تكون دليلا عليه (١).
ويدفعه أوّلا : أنّ الإشارة إلى العنوان لا تنحصر في إتيان الفعل بداعي الأمر ، بل الإشارة تحصل بقصد ما هو المقدّمة فإنّه قصد إجمالي للعنوان.
وثانيا : أنّ قصد الأمر الذي تكون به الإشارة يتوقّف على قصد عنوان المأمور به في مرتبة سابقة ، فكيف يناط بقصده ، قصد؟!
ومنها : أنّ السرّ في اعتبار قصد القربة في الطهارات الثلاث هو أنّ أغراض العبادات المتوقّفة عليها لا تحصل إلّا بإتيانها من بين سائر المقدّمات على وجه التقرّب لا باقتضاء من أوامرها الغيريّة ليحصل الإشكال بذلك (٢).
__________________
(١) مطارح الأنظار : ٧١.
(٢) نفس المصدر.