وتحويلهما من صورة إلى صورة. قال بعض الحكماء : المسخ ضربان ؛ ضرب يحصل في بعض الأزمان دون بعض وهو مسخ الخلق وتحويل الصّور. وهذا كما مسخ الله طائفة من اليهود فجعل شبابهم قردة وشيوخهم خنازير. ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(١) وقال : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً)(٢). والمنقول أنّ هؤلاء لم يتناسلوا ولم يعيشوا إلا ثلاثا عن ابن عباس. وضرب يحصل في كلّ زمان وهو تغيير الخلق ، وذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات ، كأنه يصير في شدّة الحرص كالكلب ، وفي شدّة الشّره كالخنزير ، وفي شدّة الغمارة كالثور ، وفي شدّة البلادة كالحمار ، قال الراغب : وقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) يتضمّن الأمرين وإن كان الأول أظهر ، يعني تحويل الصورة إلى صورة أخرى.
والمسيخ من الطعام : ما لا طعم له. ومسخت الناقة : أنضيتها حتى أزلت خلقتها عن حالها ، قال الشاعر (٣) : [من المتقارب]
وأنت مسيخ كلحم الحوار
والماسخيّ : القوّاس ، وأصله أنّ رجلا كان منسوبا إلى ماسخة قبيلة معروفة تعمل القسيّ ، فسمي كلّ قّواس باسمه ، كما قيل لكل حدّاد هالكيّ.
م س د :
قوله تعالى : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(٤) أي ليف ، وقيل : ليف يتّخذ من ليف النّخل فيمسد ، أي يفتل ومنه امرأة ممسودة ، أي مطويّة الخلق غير مفاضة ولا رهلة ، كأنّما فتل جسدها بالشّحم. والمسد : الحبل من أيّ شيء اتّخذ ، قال الشاعر : [من الرجز]
يا ربّ عيسى لا تبارك في أحد |
|
في قائم منهم ولا في من قعد |
إلا الذين قاموا بأطراف المسد (٥) |
__________________
(١) ٦٠ / المائدة : ٥.
(٢) ٦٥ / البقرة : ٢.
(٣) المفردات : ٤٦٨.
(٤) ٥ / المسد : ١١.
(٥) كذا في الأصل!