أصله. وقد يراد به مجرّد الحلول كقوله تعالى : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ)(١) ، أي حلّ. ويقال : نزلت بالجبل ، وإن كان من سفل إلى علوّ لغلبة الاستعمال ، وهو عكس تعال ؛ فإنّ أصله أن تدعو من هو أسفل أن يرتفع إليك. ثم كثر حتى يقول المستفل للمرتفع : تعال.
وأنزلته مكان كذا : جعلته نازلا منه. قال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً)(٢). قال بعضهم : إنزال الله تعالى نعمه على خلقه ؛ أعطاهم إياها ، وذلك إمّا بإنزال الشيء نفسه ، كإنزال القرآن. وإمّا بإنزال أسبابه والهداية إليه ، كإنزال الحديد واللباس ونحو ذلك. قال تعالى : (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ)(٣)(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ)(٤)(قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(٥). ومن إنزال العذاب قوله تعالى : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً)(٦).
قال الراغب (٧) : والفرق بين الإنزال والتّنزيل في وصف القرآن والملائكة أنّ التّنزيل يختصّ بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرّقا ، ومرة بعد أخرى ، والإنزال عامّ. قلت : هذا الذي ذكره الراغب تبعه فيه أبو القاسم الزّمخشريّ ، وقد اعترضت عليهما بقوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً)(٨) فإنه أتى بصيغة «نزّل» مع «جملة» دفعة واحدة من غير تفريق ولا تنجيم (٩). وقد نقّحنا هذا في غير هذا.
قال : وقوله : (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ)(١٠) فإنّما ذكر في الأول «نزّل» وفي الثاني «أنزل» تنبيها أنّ المنافقين يقترحون أن ينزل شيء فشيء من الحثّ على القتال
__________________
(١) ١٧٧ / الصافات : ٣٧.
(٢) ٢٩ / المؤمنون : ٢٣.
(٣) ١ / الكهف : ١٨.
(٤) ٢٥ / الحديد : ٥٧.
(٥) ٢٦ / الأعراف : ٧.
(٦) ٣٤ / العنكبوت : ٢٩. رجزا : عذابا شديدا.
(٧) المفردات : ٤٨٩.
(٨) ٣٢ / الفرقان : ٢٥.
(٩) جاء في التفسير أن النجم نزول القرآن نجما بعد نجم ، وكان تنزل منه الآية بعد الآية.
(١٠) ٢٠ / محمد : ٤٧.