ليتولّوه. وإذا أمروا بذلك دفعة واحدة تحاشوا عنه فلم يفعلوه ، فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل. قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(١) إنّما خصّ لفظ الإنزال دون التّنزيل لما روي أنّ القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ، ثم نزل نجما نجما.
قوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ)(٢) ولم يقل : نزّلنا ، منبّها أنّا لو خوّلناه مرّة واحدة ما خوّلناك مرارا لرأيته خاشعا متصدّعا. قوله : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً)(٣) قيل ؛ أراد بإنزال الذكر هنا بعثة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، كما سمّي عيسى عليهالسلام «كلمة» (٤). فعلى هذا يكون قوله : (رَسُولاً) بدلا من قوله : (ذِكْراً). وقيل : أراد إنزال ذكره ، فيكون رسولا مفعولا لقوله : (ذِكْراً) أي ذكرا رسولا. قلت : ويجوز أن يكون «ذكرا» مفعولا له (٥) ، ورسولا مفعول الإنزال. فإن قيل : قد اختلف الفاعل ؛ فإنّ فاعل الإنزال غير فاعل الذّكر ، فالجواب : إنا وإن سلّمنا اشتراط ذلك فالفاعل متّحد ، لأنّ الذّكر بمعنى التذكّر ، أي أنزل الرسول ليذكّركم به. وهو معنى حسن طائل. قال (٦) : وأمّا التنزّل فكالنّزول به ؛ يقال : نزل الملك بكذا ، وتنزّل. ولا يقال : نزل الله بكذا ، ولا تنزّل ؛ قال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(٧) وقال تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها)(٨) ولا يقال في المفترى والكذب ، وما كان من الشياطين إلا التنزّل ؛ قال تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ)(٩) قوله : وما كان من الشّياطين ثم تلا قوله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) ليس مطابقا لذلك ، لأنّ «ما» نافية ، أي أنّ الشياطين لم تنزّل به ، أي بالقرآن.
قوله تعالى : (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ)(١٠) النّزل : ما يعدّ للنازل من الضّيافة ؛ أنزلته :
__________________
(١) ١ / القدر : ٩٧.
(٢) ٢١ و ٢٢ / الحشر : ٥٩.
(٣) راجع الآية : ٤٥ / آل عمران ٣١.
(٤) راجع الآية : ٤٥ / آل عمران ٣١.
(٥) ساقطة من س.
(٦) يعني الراغب.
(٧) ١٩٣ / الشعراء : ٢٦.
(٨) ٤ / القدر : ٩٧.
(٩) ٢١٠ / الشعراء : ٢٦.
(١٠) ٥٦ / الواقعة : ٥٦.