قوله : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)(١) هو ما كان سببه عن تعمّد منهم. قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ)(٢) قال ابن عباس : أي لم يقل : إن شاء الله تعالى أفعله إذا ذكرته. ونقل عن عكرمة عبارة الله أعلم بصحّتها. ولا ينبغي أن تصحّ. وأجاز ابن عباس الاستثناء بعد ذكره لظاهر هذه الآية على ما تأوّلها. وقد حقّقنا هذا في «الأحكام».
قوله : (وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا)(٣) أي شيئا تافها لا يؤبه له ، ممّا حقّه أن ينسى ويترك قلة مبالاة به. والنّسي فعيل بمعنى مفعول كالنّقض والنكث. وقوله : (مَنْسِيًّا) مبالغة فيه ؛ لم يكفها أن تتمنّى أن تكون شيئا تافها حتى بالغت فيه. يوصف بذلك لأنّ النسي يقال لما يقلّ الإعتداد به وإن لم ينس. وقرىء «نسيا» بالفتح وهو مصدر موضوع موضع المفعول (٤). وكانت العرب إذا ترحّلت عن منزل تقول : احفظوا أنساءكم ، أي ما حقّه أن ينسى لقلّة الاعتداد به كالوتد والشّظاظ (٥) ونحوهما.
قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها)(٦) قرىء بضمّ النون الأولى وسكون الثانية من غير همز ، والمراد : نأمر بنسيانها أو ننسها للناس. وقد جرى هذا [حين](٧) أصبح القوم ، وقد أذهب الله من قلوبهم حفظ بعض القرآن ، الذي أراد نسخه لفظا ، كما هو مشهور في التفسير والأخبار.
قال الراغب (٨) : فإنساؤها حذف ذكرها من القلوب بقوة إلهية. قال غيره : أي نأمركم بتركها. يقال : أنسيته الشيء : أمرته بتركه. قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)(٩) أي ناسيا ؛
__________________
(١) ١٤ / السجدة : ٣٢.
(٢) ٢٤ / الكهف : ١٨.
(٣) ٢٣ / مريم : ١٩.
(٤) ذكر الفراء أن أصحاب عبد الله قرؤوا «نسيا» بفتح النون ـ وكذلك قرأها حفص وحمزة ـ وسائر العرب تكسر النون. وهما لغتان (معاني القرآن : ٢ / ١٦٤).
(٥) الشظاظ : خشبة عقفاء تدخل في عروتي الجوالق.
(٦) ١٠٦ / البقرة : ٢.
(٧) إضافة مناسبة للسياق.
(٨) المفردات : ٤٩١.
(٩) ٦٤ / مريم : ١٩.