قوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها)(١). قيل : النّفس الأولى المعنوية ، والثانية الذات والجملة. وقيل : هما بمعنى ، كأنّه قيل : تجادل عنها ، فأوقع الظاهر موقع المضمر. ويقال : فلان يؤامر نفسه : إذا تردّد بين أمرين (٢).
قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ)(٣) أي ذاته المقدّسة بمعنى عقابه وعذابه ، كقولك : احذر السلطان ، إنما تريد عقوبته وسلطنته. قال الراغب (٤) : نفسه ، أي ذاته. وهذا وإن كان قد حصل من حيث إنّه مضاف ومضاف إليه ، يقتضي المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة ، فلا شيء من حيث المعنى سواه ، تعالى عن الاثنينية (٥) من كلّ وجه. وقال آخرون : إنّ إضافة النّفس إليه تعالى إضافة الملك ، وعنى بنفسه نفوسنا ، وأضاف إليه على الملك (٦). وهذا وإن صدر عن توقيف من السّلف فحسن ، وإلا فالإقدام على القول به احتمالا خطر عظيم.
قوله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(٧) أي ليتعال المتعالون. وأصل المنافسة مجاهدة النّفس للتشبيه بالأفاضل ، من غير إدخال ضرر على غيره. وشيء نفيس بمعنى منفوس به ، أي مضنون ، وتنفّس الشيء : اتّسع. ومنه قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ)(٨) ومنه حرف التنفيس عند النحاة ، لأنّ فيه دلالة على طول الزمان وتراخيه عن الحال. والنّفس : الريح الداخل والخارج من البدن من المنخر والفم ، وهو كالغذاء للنفس. وبانقطاع النّفس انقطاع النّفس وبطلانها. ويعبّر عن الفرج بالنّفس ، لأنّ فيه توسعة بعد الكرب. ومنه عند بعضهم : «إني لأجد نفس ربّكم من قبل اليمن» (٩) أي فرجه.
__________________
(١) ١١١ / النحل : ١٦.
(٢) ذكر الناسخ في الأصل : قال الشاعر ، ولم يذكر الشاهد.
(٣) ٢٨ / آل عمران : ٣.
(٤) المفردات : ٥٠١.
(٥) أو الاثنوية.
(٦) يريد : على سبيل الملك.
(٧) ٢٦ / المطففين : ٨٣.
(٨) ١٨ / التكوير : ٨١.
(٩) النهاية : ٥ / ٩٣. وقيل : عنى بهم الأنصار لأن الله نفّس بهم الكرب عن المؤمنين ، وهم يمانون لأنهم من الأزد.