يسرّ كفره ويخفيه. فشبّه بالذي يدخل (النفق وهو) (١) السّرب يستتر فيه. والثاني أنّه نافق كاليربوع ، وذلك أنّ اليربوع له حجران : أحدهما يقال له النافقاء ، والآخر القاصعاء. فإذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء. والثالث أنه شبّه به لمخادعته ، وذلك أنّ اليربوع يحتفر الأرض من تحتها حتى يرقّها جدا ، فإذا طلب من باب جحره عمد إلى ذلك الموضع الذي رقّق ترابه بحفره ودفعه برأسه خارجا. فظاهر جحره أرض ، وباطنه حفر ، فكذلك المنافق ظاهره مؤمن وباطنه كافر.
قوله : (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ)(٢) قال الراغب (٣) : أي الإقتار (٤) ، يقال : أنفق فلان : إذا نفق ماله فافتقر. فالإنفاق كالإملاق في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(٥). وقال أبو عبيد : أي خشية الفناء والفساد. وقال قتادة : خشية الفاقة. وحكي : نفق الزاد ينفق : نفد. وأنفقه صاحبه : أنفده. وأنفق القوم : فني زادهم. والظاهر أنّ هذا من باب التّعبير عن المسبّب بسببه ؛ فإنّ الإنفاق سبب الافتقار من الشيء المنفق. وقد قيل : إنّ كلّ ما فاؤه نون وعينه فاء كيفما كانت لامه دلّ على الخروج والذهاب ، وهو أمر مستقرى. ويقال : نفق الشيء : مضى ونفد ؛ إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقا ، ونفق القوم : إذا نفق سوقهم ، عكس كسد (٦). وإما بالموت نحو : نفقت الدابّة نفوقا ، أي خرجت روحها. فوقع الفرق بالمصدر.
قوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً)(٧). النّفقة : اسم للشيء المنفق من المال. ثم النّفقة الواردة في القرآن أما واجبة أو مندوبة ، وقد تجري في الأحكام الخمسة. ومن كونها حراما قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٨)(يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ
__________________
(١) ما بين قوسين ساقط من س.
(٢) ١٠٠ / الإسراء : ١٧.
(٣) المفردات : ٥٠٢.
(٤) وفي الأصل : الافتقار.
(٥) ٣١ / الإسراء : ١٧.
(٦) وفي ح : الكسد.
(٧) ١٢١ / التوبة : ٩.
(٨) ٣٦ / الأنفال : ٨.