وفيها أقوام فقاتلوهم. فظفر بهم أصحاب الإسكندر ، فأتوه بهم فلم يعرف أحد من حاشية الإسكندر ـ على كثرتهم واختلاف أجناسهم ـ لغة أولئك ، ولا هم يعرفون لغة غيرهم. فأشار بعض الحكماء أن يزوج من نسائهم لرجال هؤلاء ، ومن رجالهم بنسائهم. ففعل. فنشأت الأولاد بينهم تعرف بلغة آبائها وأمهاتها ، فحدّثوا عنهم بأن ملكهم أرسلهم فيما أرسل فيه الإسكندر.
وقال الراغب (١) : إشارة إلى اختلاف اللغات واختلاف النغمات فإنّ لكل إنسان نغمة مخصوصة ، يتميّزها السمع ، كما أنّ له صورة مخصوصة يتميّزها البصر.
قوله تعالى : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي)(٢) ، المراد قوة لساني ، يعني جودة الكلام وقوة الخطاب. قال الراغب : فإنّ العقدة لم تكن في الجارحة ، وإنما كانت في قوته التي هي النطق به. قلت : وهو الظاهر إلا أن المفسرين نقلوا أنه لما وضع فرعون بين يدي موسى عليهالسلام تمرة وجمرة ليختبره في قصة جرت ، أخذ الجمرة فوضعها في فمه ، فاحترق لسانه ، فكان فيه أثر أثّر في كلامه. ولذلك قال موسى عليهالسلام في حقّ أخيه هارون : (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً)(٣). وقال فرعون : (وَلا يَكادُ يُبِينُ)(٤). فسأل عليهالسلام إزالة ذلك الأثر المؤثر.
واللسان يذكّر ويؤنّث ؛ فإن ذكر جمع على الألسنة ، نحو حمار وأحمرة. وإن أنث جمع على ألسن ، نحو عقاب وأعقب.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)(٥) أي بلغتهم ليفهموا عنه ما يخاطبهم به فيراح عليهم. فإن قيل : فنبيّنا صلىاللهعليهوسلم أرسل إلى العجم والعرب مع اختلاف لغتهم فقد أرسل بلسان العرب لأعمّ من العرب ، فالجواب أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يبعث إلى قومه
__________________
(١) المفردات : ٤٥٠.
(٢) ٢٧ / طه : ٢٠.
(٣) ٣٤ / القصص : ٢٨.
(٤) ٥٢ / الزخرف : ٤٣.
(٥) ٤ / إبراهيم : ١٤.