للإصلاح ، وهذا كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)(١) والمعنى لا يوفّقهم لعمل أهل الخير. قوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(٢) أشار به إلى من هداه الله بالتّوفيق المذكور في قوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٣) قال بعضهم : الهداية والهدى في موضوع اللغة واحد ، ولكن خصّ الله تعالى لفظ الهدى بما تولّاه وأعطاه. واختصّ به هو دون ما هو إلى الإنسان ، نحو : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٤).
والاهتداء : يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار ؛ إمّا في الأمور الدّنيوية أو الأخروية كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٥) ، فهذا يجوز أن يكون للهدايتين ، لأنّهم يهتدون بها في أسفارهم وإلى الجهة التي يتعبّدون إليها لله تعالى.
ويقال أيضا : اهتدى إذا طلب الهداية. ومنه : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(٦). وإذا تحرّاها أيضا. ومنه : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(٧) أي تتحرّون هدايتكم فيهما. والاهتداء أيضا : الاقتداء بالعلماء. ومنه قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(٨) منبهة على أنّهم لا يعلمون بأنفسهم ، ولا يقتدون بمن يعلم. وقوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ)(٩). هذا يتناول وجوه الاهتداء المتقدّمة بأسرها من طلب الهداية وتحرّيها والاقتداء بالعلماء.
وقيل في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(١٠)
__________________
(١) ٨١ / يونس : ١٠.
(٢) ١٤٣ / البقرة : ٢.
(٣) ١٧ / محمد : ٤٧.
(٤) ٢ / البقرة : ٢.
(٥) ٩٧ / الأنعام : ٦.
(٦) ٥٦ / الأنعام : ٦.
(٧) ٥٣ / البقرة : ٢.
(٨) ١٠٤ / المائدة : ٥.
(٩) ٤١ / الزمر : ٣٩.
(١٠) ٨٢ / طه : ٢٠.