إنه عبّر عن إمهاله لهم وازدراء رزقه عليهم ، وأخذهم بعد ذلك بغتة بالاستهزاء. ويقال : إنّ الاستهزاء الانتقام. وأنشد : [من الطويل]
قد استهزؤوا منّا بألفيّ مذحج |
|
سراتهم وسط الضّخاضخ جثّم |
قيل : فعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل. ويدلّ عليه أنه تعدّى عن أن يقال : هزأت منه وبه. ومنه قول الشاعر : [من الرجز]
قد هزأت مني أمّ طيله |
|
قالت : أراه معدما لا مال له |
والاستهزاء في البيت إنما معناه الاستخفاف والسّخرية أو كونه بمعنى الانتقام بعيد التأويل ، أي انتقمت مني بهذا القول. ويروى أنه يفتح للكفرة باب من الجنة فإذا قاربوها أغلق ، فذلك الاستهزاء بهم. وقد قرىء قوله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) بسكون العين وضمّها وبالواو (١) حسبما بينّا ذلك في «العقد».
ه ز ز :
قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ)(٢) الهزّ : التحريك بشدّة ؛ يقال : هزّه يهزّه ، وهزّ الرمح فاهتزّ. واستعير ذلك في قولهم : هززت فلانا للعطاء ، أي حرّكته بما ذكرته له من المكارم والمآثر. وقوله تعالى : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ)(٣) إشارة إلى شدّة حركتها واضطرابها ، وأنّها فاقت أبناء جنسها في حركتها ونشاطها. وقوله : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)(٤) أي تحرّكت حركة شديدة تشقّها عن نباتها وأزهارها بسبب إنزالها الماء بعد أن كانت على عكس هذه الصّفة قبل ذلك.
واهتزّ الكوكب في انقضاضه. وسيف هزهاز. ورجل هزهز : خفيف. وكذلك ماء هزهز. قيل : وهو يتعدّى بنفسه وبالباء ؛ يقال : هززته وهززت به ، كما يقال : أخذ الحطام وبالحطام ، وتعلّق زيدا وبزيد. وهزّ عطفه : كناية. وفي الحديث : «اهتزّ عرش الرحمن
__________________
(١) لم يذكرها الفراء ولا ابن خالويه.
(٢) ٢٥ / مريم : ١٩.
(٣) ١٠ / النمل : ٢٧.
(٤) ٥ / الحج : ٢٢.