الراغب (١) : فالودود يتضمّن ما دخل في قوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(٢). وقال بعضهم : مودّة الله لعباده هي مراعاته لهم. روي أنّه تعالى قال لموسى : أنا لا أغفل عن الصّغير لصغره ، ولا عن الكبير لكبره ، فأنا الودود الشّكور.
قوله تعالى : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(٣) أي محبة من خلقه لهم. روي «أنّ الله تعالى إذا أحبّ عبدا نادى مناد في السماء ثم في الأرض ثم يوضع له القبول في السماء» (٤) الحديث. والودّ : محبّة الشيء وتمنّي كونه. قال الراغب : ويستعمل في كلّ من المعنيين ، على أنّ التّمني يتضمّن معنى الودّ ، لأنّ التمنّي هو تشهّي حصول ما تودّه. فقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً)(٥) إشارة إلى ما وقع بينهم من الألفة المشار إليها بقوله تعالى : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)(٦).
ومن المودّة التي تقتضي المحبّة المجرّدة قوله تعالى : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٧). ومن المودّة التي تقتضي معنى التّمنّي : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)(٨)(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)(٩).
قوله : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا)(١٠) هو صنم مشهور. قيل : سمّي بذلك إمّا لمودّتهم له وإمّا لاعتقادهم أنّ بينه وبين الباري مودّة ، تعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا. والودّ ـ بفتح الواو ـ وقد تقدّم أنّه أدغم. وقال الراغب (١١) : يصحّ أن يكون وتدا فأدغم ، وأن يكون لتعليق ما يشدّ به
__________________
(١) المفردات : ٥١٦.
(٢) ٥٤ / المائدة : ٥.
(٣) ٩٦ / مريم : ١٩.
(٤) رواه البخاري في التوحيد باب كلام الرب مع جبريل ، ومسلم رقم ٢٦٣٧ عن أبي هريرة. وانظر فتح الباري : ٦ / ٢٢٠ لاختلاف الرواية.
(٥) ٢١ / الروم : ٣٠.
(٦) ٦٣ / الأنفال : ٨.
(٧) ٢٣ / الشورى : ٤٢.
(٨) ٩٦ / البقرة : ٢.
(٩) ٩ / القلم : ٦٨.
(١٠) ٢٣ / نوح : ٧١.
(١١) المفردات : ٥١٦.