وقيل : هو أن يتيقن شيئا أو يغلب على ظنّه فيحلف عليه فيتبيّن خلافه. وقيل : الحلف على المعصية. وقيل : الحلف في الغضب. وقيل : هو تحريم الرجل على نفسه ما أحلّ الله له كقوله : إن فعلت كذا فمالي حرام. وقيل : دعاء الرجل على نفسه. وقد أتقنت هذه المسألة ولله الحمد ، وذكرت اشتقاقها واختلاف الفقهاء واللغويين فيها واستدلال كلّ فريق وما ردّ به عليه ، وما أجيب به عنه ، ووصلنا الأقوال فيه إلى عشرة في «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز».
قوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(١) قيل : هو القبيح ، وذلك أنّهم إذا قصدوا أن يتكلموا الشيء فيه قبح كنّوا عنه ، أي إذا رأوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم فيه ؛ بل إمّا أن يسكتوا إن أمكن وإلّا كنّوا عن ذلك. وقال الفراء : وإذا مرّوا بالباطل.
قوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)(٢) أي الكلام القبيح وما لا ينبغي. وكذا قوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً)(٣) قيل : كلاما قبيحا ، وقيل : الساقط من القول ، وقيل : ما لا يرضون ، وكلّ ذلك كائن عدمه.
قوله : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(٤) أي لغوا ، ففاعلة هنا مصدر ، كقوله : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)(٥) أي بقاء ، قاله الأزهريّ ، وقال غيره : أي قائلة لغوا ، فجعله اسم فاعل على بابه والتاء فيه للمبالغة ، وهو أحسن لأنّ المصادر على فاعلة لا ينقاس مع نزاع فيها. وفي حديث الجمعة : «من مسّ الحصى فقد لغا» (٦) يعني أنه بمنزلة من يقول لغوا. وقيل : مال عن الصواب ، وقيل : خاب ؛ يقال : ألغيته ، أي خيّبته ، قاله النضر. وفي الحديث : «والحمولة المائرة لهم لاغية» (٧) المائرة : التي تحمل الميرة ، ومعنى لاغية أي لا يعتدّ بها
__________________
(١) ٧٢ / الفرقان : ٢٥.
(٢) ٥٥ / القصص : ٢٨.
(٣) ٦٢ / مريم : ١٩ ، وغيرها.
(٤) ٨ / الحاقة : ٦٩.
(٥) ١١ / الغاشية : ٨٨.
(٦) النهاية : ٤ / ٢٥٨.
(٧) المصدر السابق.