قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ)(١) هي فوعلة من ذلك ، لأنّها ضياء ونور ، فأبدلت الواو تاء على حدّ إبدالها في تولج وتيقور. وقد حقّقت ذلك فيما تقدّم. قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ)(٢) قيل : هو هنا بمعنى أمامهم ، كذا في التفسير. ومثله قوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ)(٣) قال ابن عرفة : كيف قال : من ورائهم وهو أمامهم؟ فزعم أبو عبيدة وأبو عليّ قطرب أنّ هذا من الأضداد. وهذا غير محصّل لأنّ أمام ضدّ وراء ، وإنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات ؛ يقول الرجل إذا وعد وعدا لرمضان في رجب ثم قال : من ورائك شعبان ، لجاز وإن كان أمامه لأنه مخلفه إلى وقت وعده ، وأنشد قول لبيد (٤) : [من الطويل]
أليس ورائي إن تراخت منيّتي |
|
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع؟ |
قلت : قوله : إنّما يصلح هذا في الأماكن والأوقات ، فيه نظر لأنّ وراء ظرف مكان ليس إلا. وقال الأزهريّ في قوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ)(٥) وراء بمعنى خلف وقدّام. ومعناه ما توارى عنك واستتر. وأنشد للنابغة (٦) : [من الطويل]
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وليس وراء الله للمرء مذهب |
أي بعد الله.
قوله : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ)(٧) أي سواه ؛ قاله الفرّاء. قلت : كأنّ الأزهريّ جعله متواطئا ، وغيره جعله مشتركا اشتراكا لفظيا لقوله : من الأضداد. (فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)(٨) أي أسترها. وكذا قوله : (يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(٩). ومثله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(١٠).
__________________
(١) ٣ / آل عمران : ٣.
(٢) ٧٩ / الكهف : ١٨.
(٣) ٢٠ / البروج : ٨٥.
(٤) الديوان : ١٧٠ ، وذكر الشارح أن وراء هنا في معنى قدام.
(٥) ١٦ / إبراهيم : ١٤.
(٦) الديوان : ٧٦. المذهب : المهرب.
(٧) ٩١ / البقرة : ٢.
(٨) ٣١ / المائدة : ٥.
(٩) ٢٦ / الأعراف : ٧.
(١٠) ٣٢ / ص : ٣٨.