(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)(١). ومن الثاني : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ)(٢). قال : والتّولّي قد يكون بالجسم ، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار ؛ قال تعالى : (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)(٣) أي لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله : (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا)(٤). ولا ترتسموا قول من حكى عنهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(٥).
وقوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(٦) أي أنّنا نكون من أوليائك. قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ)(٧) أي ناصر من الذلّ ، ولا مانع له لاعتزازه. وقيل : لم يوال أحد من أجل مذلّة. وقوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى)(٨) من هذا. ومعناه : العقاب أولى لك وبك. قال الراغب (٩) : وقيل : هذا فعل المتعدّي بمعنى افعل. يقال : ولي الشيء الشيء ، وأوليت الشيء شيئا آخر ، أي جعلته إليه. وقيل : معناه انزجر. وقيل : هذه كلمة تهديد. وقال الأصمعيّ : قاربك فاحذره ؛ مأخود من الوليّ وهو القرب. وإعراب الكلمة أنّ «أولى» مبتدأ ، و «لك» خبره على معنى القرب من العذاب مستقرّ لك. وقيل : «أولى» خبر لمبتدأ مضمر ، أي العذاب أولى لك وبك من غيره. و «فأولى» عطف عليه على سبيل التأكيد المعنويّ. وفي هذا الحرف أقوال كثيرة حررتها في «الدرّ المصون» وغيره.
قوله تعالى : (هُوَ مُوَلِّيها)(١٠) أي متولّيها. والتّولية تكون إقبالا لهذه الآية ، أي مستقبلها. ويكون انصرافا إذا عدّيت بعن ، وقد تقدّم. قوله تعالى : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ
__________________
(١) ٥١ / المائدة : ٥.
(٢) ٦٢ / آل عمران : ٣.
(٣) ٢٠ / الأنفال : ٨.
(٤) ٧ / نوح : ٧١.
(٥) ٢٦ / فصلت : ٤١.
(٦) ٥ / مريم : ١٩.
(٧) ١١١ / الإسراء : ١٧.
(٨) ٣٤ / القيامة : ٧٥.
(٩) المفردات : ٥٣٥ ، وفيه : «... بمعنى انزجر» ، وسيأتي.
(١٠) ١٤٨ / البقرة : ٢.