عامّ في جميع ذلك. قال (١) : ولهذا لما أراد الباري عزوجل نفي التّشبيه عن ذاته المقدّسة من كلّ وجه خصّه بالذّكر دون بقية الألفاظ المذكورة. فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) قيل : وجمع بين كاف التشبيه ولفظ المثل تنبيها على إرادة تأكيد النّفي ، وتنبيها على أنه [لا] يصحّ استعمال المثل ولا الكاف ، فنفى ب «ليس» الأمرين جميعا. وقال بعضهم : الكاف مزيدة إذ لو لم يقل ذلك للزم ثبوت مثل لله تعالى إذ يصير التقدير : ليس مثل مثله شيء ، وهو محال. وقيل : المثل هنا بمعنى الصّفة ، ومعناه : ليس كصفته صفة ، تنبيها على أنه وإن وصف بكثير ممّا يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر.
وقيل : المثل يجيء بمعنى الذات نحو قولهم : مثلك لا يفعل كذا. يريدون أنت لا تفعل كذا ، وهو أبلغ منه ، وأنشدوا : [من الطويل]
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه |
|
وإن بات من ليلى على الناس طاويا |
يريدون : على ليلى ، بدليل قوله : وإن بات من ليلى.
وقد منع الله من ضرب المثل له تعالى بقوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)(٣). وقد نبّه أنه يضرب لنفسه المثل ، ولا يجوز أن نقتدي به في ذلك ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٤) ثم ضرب لنفسه مثلا فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً)(٥) الآية. قال بعضهم : وفيه تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة ممّا يوصف به البشر إلا ما وصف به نفسه.
قوله : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى)(٦) أي لهم الصفات الذّميمة وله تعالى الصفات العلى.
__________________
(١) يريد الراغب في المفردات : ٤٦٢.
(٢) ١١ / الشورى : ٤٢.
(٣) ٧٤ / النحل : ١٦.
(٤) تتمة الآية السابقة.
(٥) ٧٥ / النحل : ١٦.
(٦) ٦٠ / النحل : ١٦.