مسألة
ويجب أن يعلم : [أن كل ما] يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه.
فمن ذلك : أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات ، والاتصاف بصفات المحدثات ، وكذلك لا يوصف بالتحول ، والانتقال ، ولا القيام ، ولا القعود ؛ لقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] وقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)) [الإخلاص : ٤] ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث ، والله تعالى يتقدس عن ذلك فإن قيل أليس قد قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] قلنا : بلى ، قد قال ذلك ، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب والسنة ، لكن ننفي عنه أمارة الحدوث ، وتقول : استواؤه لا يشبه استواء الخلق ، ولا نقول إن العرش له قرار ، ولا مكان ، لأن الله تعالى كان ولا مكان ، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان.
وقال أبو عثمان المغربي يوما لخادمه محمد المحبوب : لو قال لك قائل : أين معبودك؟ ما ذا كنت تقول له؟ فقال : أقول حيث لم يزل ولا يزول. قال : فإن قال : فأين كان في الأزل؟ ما ذا تقول؟ فقال : أقول حيث هو الآن. يعني : إنه كما كان ومكان.
وقال أبو عثمان : كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة ، فلما قدمت بغداد وزال ذلك عن قلبي فكتبت إلى أصحابنا : إني قد أسلمت جديدا.
وقد سئل الشبلي عن قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] فقال : الرّحمن لم يزل ولا يزول ، والعرش محدث ، والعرش بالرحمن استوى.
وقال جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : من زعم أن الله تعالى في شيء أو من شيء ، أو على شيء ، فقد أشرك ؛ لأنه لو كان على شيء لكان محمولا ، ولو كان في شيء لكان محصورا ، ولو كان من شيء لكان محدثا ، والله يتعالى عن جميع ذلك.
وقال بعض أهل التحقيق : (ألزم الكل الحدث ، لأن القدم له ، فهو سبحانه لا يظله فوق ، ولا يقيه تحت ، ولا يقابله حدّ ، ولا يزاحمه [عدّ] ، ولا يأخذه خلف ، ولا يحده أمام ، ولا يظهره قبل ، ولا يفنيه بعد ، ولا يجمعه كل ، ولا يوجده كان ، ولا يفقده ليس ، باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم. إن قلت متى : فقد سبق الوقت