كونه (١) وإن قلت : أين فقد تقدم المكان وجوده ، فوجوده إثباته ، ومعرفته توحيده (أن) تميزه من خلقه ما تصور في الأوهام فهو بخلاف [ذلك] كيف يحل به ما منه بدؤه. أو يتصف بما هو إنشاؤه ، لا تمقله العيون ، ولا تقابله الظنون ، قربه كرامته ، وبعده إهانته ، علوه من غير ترق ، ومجيئه من غير تنقل ، هو الأول ، والآخر والظاهر ، والباطن ، والقريب البعيد ، الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١].
مسألة
ويجب أن يعلم : أن الحوادث كلها مخلوقة لله تعالى ، نفعها وضرها ، إيمانها وكفرها ، طاعتها ، ومعصيتها.
والدليل على ذلك : قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) [الصّافات : ٩٦] وأيضا فإن الله تعالى رد على الكفار لما ادعوا معه شركاء في الاختراع ، فقال تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [الرّعد : ١٦] وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [يونس : ٢٢] ، فأخبر تعالى أنه خالق لسيرنا ؛ وهي الحركات والسكنات. وقال تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الله خالق كل صانع وصنعته». وأجمعت الأمة على القول : بأن لا خالق إلا الله في الدارين ، كما أجمعوا أن لا إله غيره.
مسألة
ويجب أن يعلم أن الحوادث كلها تقع مرادة لله تعالى ، وأنه لا يتصور أن يوجد في الدنيا والآخرة شيء لم يرده تعالى ؛ من نفع ، وضر ، ورزق ، وأجل ، وطاعة ، ومعصية ، إلى غير ذلك من سائر الموجودات.
والدليل على ذلك : ما بيّنّاه من قبل ، وأنه خالق لها ، وإذا صح ذلك ترتب عليه أنه مريد لما خلق ، قاصد إلى إبداع ما اخترع ، ويدل على ذلك أيضا : قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥] وقوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)) [الأنعام : ١٢٥]
__________________
(١) أي وجوده (ز).