وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)) [الأنعام : ١١١] وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)) [يونس : ٩٩] وقوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣)) [السّجدة : ١٣] والآيات في هذا المعنى في القرآن لا تحصى عددا. وأيضا فإن الأمة قد أجمعت على القول بإطلاق هذه الكلمة : «ما شاء الله كان. وما لم يشأ لم يكن» وأيضا فإنه لو أراد شيئا وأراد غيره شيئا فوجد مراد غيره دون مراده كان ذلك دليل العجز والغلبة ، والله يتعالى عن ذلك.
وقال بعض أهل التحقيق : (والله ما قالت القدرية كما قال الله تعالى ولا كما قال النبيون ولا كما قال أهل الجنة ، ولا كما قال أهل النار ، ولا كما قال أخوهم إبليس) ؛ لأن الله تعالى قال : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النّحل : ٩٣] وقال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠].
وقال شعيب : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) [الأعراف : ٨٩] وقال موسى عليهالسلام : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) [الأعراف : ١٥٥] وقال نبينا صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [الأعراف : ١٨٨] وقال أهل الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ٤٣] وقال أهل النار : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) [المؤمنون : ١٠٦] وقال أيضا : (بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزّمر : ٧١] وقال إبليس : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الحجر : ٣٩] وقد قال تعالى : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) [الرّعد : ١١].
مسألة
واعلم : أنه لا فرق بين الإرادة ، والمشيئة ، والاختيار ، والرضى ، والمحبة على ما قدمنا. واعلم : أن الاعتبار في ذلك كله بالمآل لا بالحال ، فمن رضي سبحانه عنه لم يزل راضيا عنه ، لا يسخط عليه أبدا ، وإن كان في الحال عاصيا ، ومن سخط عليه فلا يزال ساخطا عليه ولا يرضى عنه أبدا وإن كان في الحال مطيعا.