ويدل عليه أيضا : إجماع الصحابة ، وهو أن عليا عليهالسلام لما أنكر عليه التحكم وكفر الخوارج فقال بحضرة الصحابة : والله ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن. ولم ينكر ذلك منكر ، فدل على أنه إجماع ، ولأنه لو كان مخلوقا : لم يخل أن يكون خلقه في نفسه أو في غيره أو في غير شيء ، ولا يجوز أن يكون مخلوقا في نفسه لأن ذاته لا تقوم بها المخلوقات والحوادث يتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ولا يجوز أن يكون خلقه في غيره ، لأنه لو كان خلقه في غيره لكان ذلك الغير إلها ، آمرا ، ناهيا قائلا : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)) [النّمل : ٩] وهذا محال باطل ، ولا يجوز أن يكون خلقه في غير شيء ، لأنه يؤدي إلى وجود كلام من غير متكلم وهذا محال. فإذا ثبت بطلان هذه الثلاثة الأقسام لم يبق إلا أنه مخلوق ، بل هو صفة من صفات ذاته ، قديم بقدمه ، موجود بوجوده ، موصوف به ، فيما لم يزل وفيما لا يزال. ولا يجوز أن يباينه ، ولا يزايله ، ولا يحل في مخلوق ، ولا يتصف بالحول رأسا ، فاعلم ذلك وتحققه.
فإن احتجوا بقوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرّعد : ١٦] وربما قرر عليك هذا السؤال والدليل ، كما قرره بشر المريسي على عبد العزيز المكي وهو : أنه قال له : أتقول إن القرآن شيء أو ليس بشيء؟ فقال : بل هو شيء فقال : يا أمير المؤمنين سلم أن القرآن مخلوق ، لأن الله تعالى قال : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرّعد : ١٦].
والجواب أن يقال : في أول [الأمر أي] شيء أردت بقولك إنه شيء [فإن أردت] أنه موجود ثابت فنعم ، وإن أردت بقولك إنه شيء كالأشياء من حيث خروجه من العدم إلى الوجود كالأشياء الموجودة بعد العدم فلا نقول ذلك.
والموجود الثابت لا يدل على أنه مخلوق محدث ، فإن الله موجود ثابت دائم الوجود ليس بمخلوق. وأما الجواب على جملة (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فالمراد به الخصوص دون العموم فإنه (١) بعضه [قطعا] وأنه [غير] داخل في ذلك كما سمى نفسه ، فقال : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ١٢] ثم قال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ولا تدخل نفسه في ذلك ، وإنما المراد به كل نفس منفوسة مخلوقة كذلك قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرّعد : ١٦] يعني مما يصح فيه الخلق والحدث ، وصفات ذاته قديمة بقدمه وموجودة بوجوده ، فلم تدخل في ذلك. ومثل هذا في
__________________
(١) أي فإن المراد بعض الشيء (ز).