الكتابة صفة الكاتب ، والمكتوب بها كلام الله تعالى ، وأيضا فإن الكتابة يلحقها المحو يتصور عليها الغرق ، والحرق ، والتواء ، والتلف ، وكلام الله القديم لا يتصور عليه شيء من ذلك. وكذلك الحفظ ، والسمع تارة يوجد ، وتارة يعدم ، وما يجوز عليه الوجود بعد العدم والعدم بعد الوجود فليس بصفة لله تعالى ، وإنما هو صفة المخلوق المربوب ، لكن المسموع من القرآن ، والمحفوظ منه ، والمقروء منه ، والمكتوب منه كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق ولا مربوب. فافهم تصب إن شاء الله.
وأيضا فإن من حلف بالطلاق الثلاث أن لا يقوم من مقامه حتى يفعل فعلا يكون عبادة وطاعة لله تعالى ؛ فقرأ عشر آيات من القرآن ثم قام ولم يفعل شيئا غير ذلك لم يحنث في يمينه بإجماع المسلمين ، فصحّ أن قراءته فعله وعمله الذي صار به فاعلا ، عابدا ، طائعا. وأن المقروء بقراءته كلام الله تعالى القديم الذي ليس بفعل لأحد فافهم.
وأيضا : فإن قراءة القارئ تارة تكون طاعة وقربة ، وتارة تكون معصية وذنبا. فأما الطاعة فهي إذا قرأها وهو طاهر غير جنب وغير مرائي بها أحدا من الخلق ، ويكون معصية إذا قرأها وهو جنب مرائي ، وما يكون تارة طاعة وأخرى معصية كيف يكون صفة الحق؟ ـ تعالى عن ذلك ـ بل هو صفة الخلق ، لكن المقروء في الحالتين شيء واحد ، وهو كلام الله تعالى القديم لا يتصف بالشيء وضده. فافهم ، وفي بعض هذا مقنع لمن لم يكن يكابر الضرورات.
مسألة
ويجب أن يعلم أن كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة (١) كما قال : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)) [الواقعة : ٧٧ ، ٧٨] وهو في مصاحفنا مكتوب على الوجه الذي هو مكتوب في اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)) [البروج : ٢١ ، ٢٢] لكن نحن نعلم وكل عاقل أن كلام الله الذي هو مكتوب في اللوح المحفوظ هو القرآن المكتوب في مصاحفنا شيء واحد لا يختلف ولا يتغير ، وأن اللوح غير أوراق مصاحفنا ، وأن الخط الذي فيه غير الخطوط التي في مصاحفنا ، وأن القلم الذي كتب في اللوح المحفوظ غير أقلامنا ،
__________________
(١) عند من يرى وجود الشيء في الأعيان والأذهان واللسان والكتابة ونحوها حقائق يشترك بينها لفظ الوجود اشتراكا لفظيا (ز).