[التّكوير : ١٥ ـ ٢٩] وهذا إخبار من الله تعالى بأن النظم العربي الذي هو قراءة كلام الله تعالى قول جبريل لا قول شاعر ولا قول كاهن. وقالوا : ما هذا إلا قول البشر ، فرد عليهم بهاتين الآيتين وكذلك رد عليهم أيضا لما قالوا : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النّحل : ١٠٣] فحصل من هذا أن الله تعالى علّم جبريل عليهالسلام القرآن. دليله قوله تعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)) [الرّحمن : ١ ، ٢] وجبريل عليهالسلام علّم نبينا صلىاللهعليهوسلم دليله قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥)) [النّجم : ٥] وكان صلىاللهعليهوسلم يقرأ مع جبريل حال قراءته فزعا منه أن يذهب عنه حفظه حتى نهاه الله تعالى عن ذلك بقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤] وبقوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦)) [القيامة : ١٦] معناه لا تعجل بقراءتك حتى يفرغ جبريل عليهالسلام. ثم طمّن قلبه صلىاللهعليهوسلم بأنه يحفظه إياه ويثبت حفظه في قلبه ، فقال : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)) [القيامة : ١٧] يعني في صدرك حفظه. ووعده أن لسانه يقرؤه قراءة لا يحصل معها نسيان فقال : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦)) [الأعلى : ٦] يعني قراءة لا نسيان معها ، فحاصل هذا الكلام أن الصفة القديمة كالعلم والكلام ونحو ذلك من صفات الذات لا يجوز أن تفارق الموصوف ، لأن الصفة إذا فارقت الموصوف اتصف بضدها ، والله تعالى متنزه عن الصفة وضدها. فافهم ذلك. فجاء من ذلك أن جبريل عليهالسلام علم كلام الله وفهمه ، وعلّمه الله النظم العربي الذي هو قراءته ، وعلّم هو القراءة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وعلّم النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه ، ولم يزل ينقل الخلف عن السلف ذلك إلى أن اتصل بنا فصرنا نقرأ بعد أن لم نكن نقرأ ، فالقراءة أغيار لأن قراءة جبريل عليهالسلام غير قراءة نبينا عليهالسلام ، وقراءة نبينا عليهالسلام غير قراءة أصحابه ، وقراءة أصحابه غير قراءة من بعدهم ، ثم كذلك هلم جرا إلى يومنا هذا ، يعلم كل عاقل أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قرأ قبل الصحابة ، ثم قرأت الصحابة ، ثم قرأ التابعون ثم كذلك إلى اليوم ، لكن المقروء والمتلو هو كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق ولا يشبه كلام الخلق هو المقروء بقراءة الرسول عليهالسلام وقراءة الجميع. وهذا أمر واضح إن شاء الله تعالى.
مسألة
ويجب أن يعلم أن الله تعالى لا يتصف كلامه القديم بالحروف والأصوات ولا شيء من صفات الخلق ، وأنه تعالى لا يفتقر في كلامه إلى مخارج ، وأدوات ، بل يتقدس عن جميع ذلك ، وأن كلامه القديم لا يحل في شيء من المخلوقات.