من قرب» (١) الخبر ... قالوا : فقد أضاف الرسول عليهالسلام الصوت إلى الله تعالى ، فصحّ ما قلناه ، الجواب من أوجه :
أحدها : أنك تقول أولا لا حجة لكم فيه ، لأنه صلىاللهعليهوسلم ما قال تكلم الله بصوت ، ولا قال بصوت ، ولا قال كلام الله أصوات ، كما تزعمون بجهلكم ؛ وإنما قال نادى الله بصوت ، وليس الخلاف إلا أن كلامه أصوات ، فلا حجة لكم فيه.
جواب آخر : وهو أن هذا الحديث قد روي فيه ما يدل على [أن] الصوت من غير الله بأمره ، لأنه روي إذ كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، يأمر مناديا فينادي ، فصحّ أن النداء من غيره ، لكن لما كان بأمره أضيف النداء إليه ، كما يقال : نادى الخليفة في بغداد بكذا وكذا. ويقال : أمر الخليفة مناديا فنادى بأمره في بغداد بكذا وكذا ، ولا فرق بين الموضعين ، فإن كل عاقل يعلم أن الخليفة لم يباشر النداء بنفسه ، لكن لما كان بأمره جاز أن يضيفه إلى نفسه ، وأن يضاف إليه ، وإن لم يكن هن المنادي بنفسه ، ويصحح جميع ذلك القرآن ، قال الله : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)) [ق : ٤١ ، ٤٢] فأضاف النداء إلى المنادي ، فصحّ أن الصوت صفة المنادي لا صفة الآمر بالنداء ؛ ومن عجيب الأمر أن الجهال لا يجوزون أن يكون النداء صفة المخلوق إذا كان رفيع القدر في الدنيا ، كالخليفة والأمير ، وينفون عنه ذلك ثم يجوزونه في حق رب العالمين.
جواب ثالث : وذلك أنا وكل محقق يقول : إن هذا الصوت ليس بموجود اليوم ، وإنما يكون يوم القيامة ، وكلام الله قديم بقدمه ، موجود بوجوده ، فصحّ أن هذا شيء لم يكن بعد ، وإنما يكون يوم القيامة ، ومن زعم أن صفة الله تعالى ليست بموجودة اليوم ، وإنما توجد يوم القيامة فقد جعل كلام الله تعالى مخلوقا لا محالة ، فصحّ بهذه الجملة أن الصوت ليس بصفة لكلام الله تعالى ، وإنما هو صفة للمنادي الذي يأمره الله تعالى بالنداء في ذلك اليوم.
__________________
(١) يريد به حديث جابر ، وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل ، وهو ضعيف. وقد انفرد عنه القاسم بن عبد الواحد ، وهو ممن لا يحتج بهم عند بعضهم ، ولذا علقه البخاري بقوله «ويذكر» على أن كون الإسناد مجازيا متعين بحديث الدار قطني «يبعث الله يوم القيامة مناديا بصوت يسمعه أولهم وآخرهم» .. الحديث. راجع ما علقناه على السيف الصقيل (٤٥٣) (ز).