٢ ـ وفي سورة النساء قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨)) [النّساء : ١٥٧ ، ١٥٨].
٣ ـ وفي سورة المائدة قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧)) [المائدة : ١١٦ ، ١١٧].
هذه هي الآيات التي عرض القرآن فيها لنهاية شأن عيسى مع قومه.
والآية الأخيرة (آية المائدة) تذكر لنا شأنا أخرويا يتعلق بعبادة قومه له ولأمه في الدنيا وقد سأله الله عنها. وهي تقرر على لسان عيسى عليهالسلام أنه لم يقل لهم إلا ما أمره الله به : (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ٧٢] وأنه كان شهيدا عليهم مدة إقامته بينهم ، وأنه لا يعلم ما حدث منهم بعد أن توفاه الله.
معنى التوفّي :
وكلمة (توفّي) قد وردت في القرآن كثيرا بمعنى الموت حتى صار هذا المعنى هو الغالب عليها المتبادر منها ، ولم تستعمل في غير هذا المعنى إلا وبجانبها ما يصرفها عن هذا المعنى المتبادر : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السّجدة : ١١] ، (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النّساء : ٩٧] ، (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) [الأنفال : ٥٠] توفته رسلنا. ومنكم من يتوفى. حتى يتوفاهن الموت. (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف : ١٠١].
ومن حق كلمة (تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة : ١١٧] في الآية أن تجمل هذا المعنى المتبادر وهو الإماتة العادية التي يعرفها الناس ، ويدركها من اللفظ والسياق الناطقون بالضاد.
وإذن فالآية لو لم يتصل بها غيرها في تقرير نهاية عيسى مع قومه ، لما كان هناك مبرر للقول بأن عيسى حي لم يمت.