ولا سبيل إلى القول بأن الوفاة هنا مراد بها وفاة عيسى بعد نزوله من السماء بناء على زعم من يرى أنه حي في السماء ، وأنه سينزل منها آخر الزمان ، لأن الآية ظاهرة في تحديد علاقته بقومه هو لا بالقوم الذين يكونون آخر الزمان وهم قوم محمد باتفاق لا قوم عيسى.
معنى (رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النساء : ١٥٨] وهل هو إلى السماء؟
أما آية النساء فإنها تقول : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨] وقد فسرها بعض المفسرين بل جمهورهم بالرفع إلى السماء ، ويقولون : إن الله ألقى على غيره شبهه ، ورفعه بجسده إلى السماء ، فهو حي فيها وسينزل منها آخر الزمان ، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ، ويعتمدون في ذلك :
أولا : على روايات تفيد نزول عيسى بعد الدجال ، وهي روايات مضطربة مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافا لا مجال معه للجمع بينهما ، وقد نصّ على ذلك علماء الحديث ، وهي فوق ذلك من رواية وهب بن منبه وكعب الأحبار وهما من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام وقد عرفت درجتهما في الحديث عند علماء الجرح والتعديل.
ثانيا : على حديث مروي عن أبي هريرة اقتصر فيه على الإخبار بنزول عيسى وإذا صحّ هذا الحديث فهو حديث آحاد. وقد أجمع العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات.
ثالثا : على ما جاء في حديث المعراج من أن محمدا صلىاللهعليهوسلم حينما صعد إلى السماء وأخذ يستفتحها واحدة بعد واحدة فتفتح له ويدخل ، رأى عيسى عليهالسلام هو وابن خالته يحيى في السماء الثانية. ويكفينا في توهين هذا المستند ما قرره كثير من شرّاح الحديث في شأن المعراج وفي شأن اجتماع محمد صلىاللهعليهوسلم بالأنبياء ، وأنه كان اجتماعا روحيا لا جسمانيا. «انظر فتح الباري وزاد المعاد وغيرهما».
ومن الطريف أنهم يستدلون على أن معنى الرفع في الآية هو رفع عيسى بجسده إلى السماء بحديث المعراج بينما ترى فريقا منهم يستدل على أن اجتماع محمد بعيسى في المعراج كان اجتماعا جسديا بقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨] وهكذا يتخذون الآية دليلا على ما يفهمونه من الحديث حين يكونون في تفسير الحديث ، ويتخذون الحديث دليلا على ما يفهمونه من الآية حين يكونون في تفسير الآية.