الثاني : قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢] ومعلوم أن أفعالنا مخلوقة إجماعا ، وإن اختلفنا في خالقها ، وهو تعالى قد أدخل في خلقه كل شيء مخلوق ، فدلّ على أنه لا خالق لشيء مخلوق غيره سبحانه وتعالى. فإن قيل فكلامه شيء فيجب أن يكون مخلوقا. قلنا : قد احترزنا بحمد الله تعالى عن هذا السؤال بقولنا : إنه أخبر أنه خلق كل شيء مخلوق ، وكلامه وصفات ذاته تعالى قد أثبتنا أنها غير مخلوقة ولا خالقة ؛ بل هي صفة الخالق ـ تعالى ـ قديمة بقدمه موجودة بوجوده قبل جميع المخلوقات. فبطل هذا السؤال.
وجواب آخر يبطل هذا السؤال وهو : أنك تقول : إن الله تعالى مخاطب ، والمخاطب لا يدخل تحت الخطاب ، ألا ترى أن الواحد منا إذا قال دخلت الدار فضربت من فيها ، أو أخرجت من فيها ، أو أعطيت من فيها لا يدل ذلك على أنه دخل تحت الخطاب ، بأن يكون ضرب نفسه ، ولا أخرج نفسه ولا أعطى نفسه ، لأنه مخاطب ، والمخاطب لا يدخل تحت الخطاب وكذلك قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢] هو مخاطب ، فلا يدخل تحت الخطاب بذاته ولا بصفاته جلّ عن ذلك وتعالى ، كما قال : (الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : ٣٩] قهر الكل ولم يدخل في القهر ذاته وصفاته. فافهم التحقيق لتدفع به كل بدعة وتمويه من أهل البدع إن شاء الله.
الثالث : قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠)) [الرّوم : ٤٠] والدلالة من هذه الآية من أوجه :
أحدها : أنه قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) [الرّوم : ٤٠] وهذا عام في ذواتنا وصفاتنا ، ثم أكد ذلك بقوله تعالى : (ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [الرّوم : ٤٠] يعني ثم خلق أرزاقكم ، وعند المخالف أن العبد يخلق أفعاله ورزقه ، فهو خلاف ما أخبر الله تعالى به من كونه خالقا لنا ولأرزاقنا.
الوجه الثاني : من الدلالة : أنه قال : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [البقرة : ٢٨] فكما لا يقدر أحد أن يخلق موته ولا حياته ، فكذلك لا يقدر أن يخلق فعله ورزقه ؛ من حركة ولا سكون ولا غير ذلك.
الثالث : سبحانه وتعالى نزّه نفسه عن عقدهم وخبثهم إذ أضافوا فعل شيء وخلقه إلى غيره ، فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس : ١٨] ثم أكد ذلك