بعده بمواضع فقال : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] سبحانه وتعالى. وقال : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النّحل : ١٧].
وأما الدليل من السنة فكثير أيضا ، غير أني أذكر منه خبرين ننبه العاقل الفطن على الاستدلال بأمثالهما من السنة :
الأول : ما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله خلق كل صنعة وصانعها» (١) وصنعة الصانع إنما هي بحركاته وأفعاله ، سواء كان في صنعة مباحة وطاعة ، ككتابة القرآن ، والحديث ، والفقه. أو محظورة ؛ من تصوير صور الحيوان ، أو عمل السلاح ليقتل به المسلمين. فصحّ بهذا الخبر أن الله جلّ وعلا خالق للفاعل منا ولفعله.
الخبر الثاني : قوله صلىاللهعليهوسلم لابن عباس رضي الله عنهما : «فرغ ربك من أربع : من الخلق ، والخلق ، والرزق ، والأجل فلو جهد الخلق على أن يؤتوك ما لم يقدره الله لم يقدروا على ذلك» وروي : «لو جهد الخلق على أن ينفعوك أو يضروك لم يقدروا على ذلك» والمخلوقات منها الضار والنافع ، في العاجل والآجل ، وقد جعل صلىاللهعليهوسلم كل ذلك إلى تقدير الله تعالى وخلقه له ، ولم يجعل إلى العباد شيئا من ذلك. فاعلمه وتحققه.
* * *
فصل
ويدل على صحة ما قلناه : إجماع المسلمين ، وأنهم يقولون : لا خالق إلا الله ، كما يقولون : لا رازق ، ولا محيي ، ولا مميت إلا الله تعالى. فنقول : فلا يكون الخلق من غيره ، وأثبتوه خالقا.
* * *
فصل
ويدل على صحة ما قلناه من جهة العقل. وأنه لا خالق إلا الله تعالى ، وهو كثير جدا ، لكن نختصر على قدر فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك : أن نقول لهم : إن قلتم إن الواحد منا يخلق أفعاله ، من طاعة ، أو معصية ، أو إيمان ، أو كفر فقد شركتم بيننا وبين الله تعالى في الخلق ، وأنه لا يتم خلقه
__________________
(١) أخرجه البخاري في خلق الأفعال (ز).