إلا بخلقنا. وذلك أن الجسم لا يخلو من حركة ، أو سكون ، أو كفر ، أو إيمان ، أو طاعة ، أو معصية ، فصحّ أن جميع الذوات مشتركة الخلق بين العبد وبين الرب ، وأنه لا يتم خلق أحدهما إلا بمخلوق الآخر ، وهذا شرك ظاهر ، نعوذ بالله منه.
دليل آخر من جهة العقل : وأنه لا خالق إلا الله ، لأن الخالق الصانع أقل ما يوصف به علمه بخلقه ، كما قال : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك : ١٤] ونحن نجد الواحد منا يفعل ما لا يعلم فعله فيه ، ولا يحصره ولا يعده بقدرة ، حتى إن الواحد منا يريد أن يتكلم صوابا فيرمى خطأ ، إلى غير ذلك ، فيفعل ما لا يعلمه ولا يريده ، وأيضا الواحد منا إذا خرج إلى المسجد حتى وصل إليه ، فعند المخالف أن كل خطوة خطاها خلقها وأنشأها ، ولو سئل عن عدد كل خطوة خطاها لم يدر ما يقول ولا يعلمه ولا يعرفه ؛ فلم يبق إلا أن الخالق لأفعالنا وأكسابنا هو الله تعالى الذي يعلمها ، كما قال : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك : ١٤].
دليل آخر من جهة العقل : وهو : من شرط الخالق للشيء أن يكون قادرا على خلق الشيء وضده ، فإن من يقدر على خلق الحياة يقدر على خلق ضدها ، وهو الموت ، وكذلك من يقدر على خلق التفريق في الجسم يقدر على خلق الاجتماع له ، حتى يعود كما كان جسما مؤلفا ، ولما وجدنا أحدنا لا يقدر على ذلك صحّ أنه غير خالق ، ولما وجدنا الخالق تعالى يقدر على خلق الشيء وضده دلّ على أنه هو الخالق لا خالق سواه ، وقد قيل عن الشيخ الإمام أبي بكر بن فورك (١) رضي الله عنه أنه كان مع إسماعيل المعروف بالصاحب في بستان ، وكان يعتقد شيئا من ذلك ، فأخذ سفرجلة وقطعها من الشجرة ، وقال له : ألست أنا قطعت هذه السفرجلة؟ فقال له رضي الله عنه مجيبا : إن كنت تزعم أنك خلقت هذه التفرقة فيها فاخلق وصلها بالشجرة حتى تعود كما كانت. فبهت وتحير ولم يقدر على جواب.
وبلغني أيضا أن بعض القدرية وقف على إحدى رجليه وشال الأخرى ، وقال : ألست أنا رفعت هذه وحططت هذه؟ فقال له بعض أهل السنة : إن كنت تزعم أنك خلقت الشيل في هذه المشتالة فاخلق الشيل في الأخرى حتى تصير مشتالة معها ، فبان له الحق ورجع عن قوله الباطل.
__________________
(١) زميل المؤلف في عهد طلبه العلم عند الباهلي ، وإن كانا متباعدي الدار في عهد إمامتها ونشرهما العلم ، ونوّه بجواب ابن فورك هنا كما بلغه تقديرا لصاحبه كما هو شأن الإخلاص في العلم (ز).