لما لم يكن له في ذلك كسب : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥] فيجب على العبد عند خطئه وذنبه أن يرد اللوم والتقصير إلى نفسه وإلى وسوسة الشيطان ، ولا يرد ذلك إلى خلق الله تعالى وإرادته ، لأنه يصير كالمحتج عليه تعالى ، وليس لأحد عليه حجة : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)) [الأنعام : ١٤٩]. ومثل هذا قول أبيه آدم عليهالسلام وحواء : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] فردا التقصير والنقص واللوم إلى أنفسهما ، لأن هذا موضع الأدب والتذلل ، لا موضع الاحتجاج ، ومثل هذا كثير.
الجواب الثاني : أن الإجماع منا ومنكم : أن الوكزة ليست خلق الشيطان ولا عمله ، بل هي عندنا من خلق الله تعالى واختراعه ، ولموسى عليهالسلام كسب. وعلى عقدهم النحس أنها خلق موسى وعمله ، وليس لله فيها خلق ولا اختراع ولا عمل ، فبطل احتجاجهم بالآية ، ولم يبق إلا ما قلناه ، وهو أنه أراد بقوله : (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : ٩٠] أي زيّن ذلك وحسّنه لي ، والله المعين.
فإن احتجوا بقوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النّساء : ٧٩] فأوضح تعالى أن السيئة منا ، والحسنة منه ، فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه لا يصح لكم الاحتجاج معشر المعتزلة بهذه الآية بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب ؛ لأن ظاهرها فيه تعلق لمن يقول إن الخير خلق الله تعالى وفعله ، والشر خلقنا وفعلنا ، وأنتم لا تقولون بظاهر هذه الآية ، لأنكم تقولون إن أحسن الحسن وخير الخير الإيمان والمعرفة. وتقولون ليس لله في هذا قدرة ولا خلق ، وإنما هو بقدرة العبد المؤمن وخلقه ، فلا حجة لكم فيها.
الجواب الثاني : أن صريح النص في أول هذه الآية حجة عليكم ، لأنه يقال : رد عليهم ، وأمر نبيه عليهالسلام أن يرد عليهم ، بقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النّساء : ٧٨] ثم جهلهم وإياكم ، وأكد ذلك بقوله : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النّساء : ٧٨] فصارت الآية حجة واضحة عليكم لا لكم.
الجواب الثالث : قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النّساء : ٧٩] وهذا صحيح من وجهين :
أحدهما : أن مثله في القرآن كثير. من ذلك قوله تعالى : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) [آل عمران : ١٩١] تقديرا لكلام يقولون ربنا