ما خلقت هذا باطلا. ومثله قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) [الأنعام : ٩٣] ومثله أيضا قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ) [آل عمران : ١٠٦] تقدير الكلام (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) [آل عمران : ١٠٦] فيقال لهم : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ) [آل عمران : ١٠٦] فكذلك هذا ، فتقدير الكلام فيه (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ) [النّساء : ٧٨] فيقولون : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) [النّساء : ٧٩].
الوجه الثاني : أن هذه الآية إن لم تحمل على ما قلناه صار بعضها ينقص بعضا ويخالف بعضا ، وليس في كتاب الله تعالى مناقضة ولا اختلاف ، فصحّ ما قلناه ؛ لأنه قال في أول الآية : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النّساء : ٧٨] ثم يرجع في سياقها فيقول : لا إنما البعض مني والبعض من خلقي ، كلا والله ، بل ذكر ذلك في سياق الآية تجهيلا لقائله وردا عليه. فافهم الحق وادفع به الباطل.
فإن احتجوا فقالوا : وجدنا أفعالنا واقعة على حسب قصدنا فوجب أن يكون خلقا لنا وفعلا لنا. قالوا : وبيان ذلك أن الواحد منا إذا أراد أن يقوم قام ، وإذا أراد أن يقعد قعد. وإذا أراد أن يتحرك تحرك ، وإذا أراد أن يسكن سكن ، وغير ذلك ، فإذا حصلت أفعاله على حسب قصده ومقتضى إرادته دلّ على أن أفعاله خلق له ، وفعل له ، فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن هذا غير صحيح أولا ، فإنا نرى من يريد شيئا ويقصده ولا يحصل ما يريد ولا ما يقصد. فإنه ربما أراد أن ينطق بصواب فيخطئ ، وربما أراد أكلا لقوة وصحة فيضعف ويمرض ، وربما ابتاع سلعة ليربح فيخسر ، وربما أراد القيام فيعرض له ما يمنعه منه ، إلى غير ذلك. فبطل ما ذكرتموه ، وصحّ أن فعله خلق لغيره ، يجري على حسب مشيئة الخالق تعالى ، وإنما يظهر كسبه لذلك الفعل بعد تقدم المشيئة. والخلق من الخالق (١).
الجواب الثاني : أن وقوع الكسب من الخلق على حسب القصد منهم لا يدل ذلك على أنه خلق لهم واختراع ، ألا ترى أن مشي الفرس والدابة يحصل على قصد الراكب وإرادته من عدو ، وتقريب ، واستطراف ، ووقوف ، إلى غير ذلك. ولا يقول
__________________
(١) وأما إرادة العبادة للفعل فهي مدار تكليفه ، وهي بيده. جعلها الله هكذا تحقيقا لمسئولية العبد عن أفعاله. وهي متقدمة تقدما ذاتيا على الخلق. كما جرت عادة الله على ذلك. فيكون اختيار العبد بعيدا عن سمة الجبر (ز).