فعلته خلق لها ، بل هو خلق لغيرها ، وهو الله تعالى عند المسلمين ، وخلق للقاتل على زعمكم ، أفصح أن الوجوب حصل بإيجاب الله وحكمه ، لا بخلق العاقلة وفعلها ، وكذلك جميع الأحكام في الدنيا والآخرة ، إنما تجب وتستحق بإيجاب الله تعالى وإرادته ، لا بكونها خلقا للفاعل ، فاعلم ذلك وتحققه.
وكذلك أيضا الأكل في الصيام ناسيا ، فعل العبد ، كما هو فعل له عند تعمده ، لكن الله تعالى حكم بأن أحدهما مبطل ومفطر ، ويذم ويعاقب عليه ، والآخر بالضد من ذلك ، وإن كان الجميع فعلا للعبد ، فصحّ أن ذلك إنما يكون بحكم الله تعالى ، لا بكون خلقا للفاعل ، فصحّ ما قلناه ، وبطل ما توهموه.
فإن قيل : من فعل الطاعة كان طائعا ، ومن فعل المعصية كان عاصيا ، فالجواب : أن هذا غير صحيح ، لأن كون الباري تعالى خالقا وفاعلا لا يوجب أن يتصف بالطاعة والمعصية ، لأن الطاعة صفة الطائع ، والمعصية صفة العاصي ، ولا يوجب ذلك وصف خالق الطاعة والمعصية بكونه طائعا عاصيا ، ألا ترى أن الأسود صفة لمن قام به السواد ، ولا يكون صفة لله تعالى ، وإن كان تعالى هو خالق السواد ، فكذلك التحرك صفة لمن له الحركة ، لا صفة من خلق الحركة والولد لمن له الولد ؛ لا لمن خلق الولد ، والحلاوة صفة العسل ، لا لمن خلق الحلاوة فيه. وكذلك الحموضة في الخل صفة للخل ، لا لمن خلق الحموضة فيه ، وكذلك الموت إذا خلقه الله في أحدنا صار ميتا ، واتصف بذلك ، ولا يوجب أن يتصف الخالق للموت بأنه ميت ، لما خلق الموت وفعله بالحي. فكذلك المعصية صفة من حلّت به المعصية ، والطاعة صفة لمن حلّت به الطاعة ، ولا يوجب ذلك وصف خالقها بأنه طائع ولا عاص.
فإن قيل : لا يجوز أن يكون الله خالق الظلم والجور والكذب ، لأن من فعل الظلم كان ظالما ، ومن فعل الجور كان جائرا. ومن فعل الكذب كان كاذبا والله تعالى يتنزه عن جميع ذلك ، فصحّ أن هذه الأشياء ليست بفعل له ، ولا خلق له.
فالجواب : أن هذا السؤال هو الأول بعينه ، والجواب عنه قد تقدم ، لكن نزيد هاهنا جوابا آخر : وذلك أنا نقول : ليس الأمر على ما يقع لكم ، بل نقول إن الله تعالى خلق الظلم ظلما للظالم به ، وخلق الجور جورا للجائر به ، وخلق الكذب كذبا للكاذب به ، كما أنه خلق الظلمة ظلمة للمظلم بها ، وخلق الضوء ضوء للمستضيء به ، وخلق الحمرة حمرة للأحمر بها ، وخلق السواد سوادا للأسود به ، وخلق السم