الأخبار على ما قلنا ، ويحمل هذا الخبر على أنه أراد به الكبائر التي تخرج من الإسلام ، نحو الكفر بعد الإيمان ، أو استحلال ما حرّم الله ، أو تكذيب بعض الرسل أو بعض الكتب ، ويصير هذا كما قلنا إنا نجمع بين كل ما ذكر في القرآن ، وإن كان ظاهره يناقض بعضها بعضا عند الجهّال مثلكم ، فإنه تعالى قال : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥)) [المرسلات : ٣٥] ثم قال في موضع آخر : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧)) [الصّافات : ٢٧] فيحمل هذا على أنهم لا ينطقون عند الصراط ، والميزان ، والكتب ، ويسأل بعضهم بعضا بعد ذلك ، حتى لا نسقط شيئا من كتاب الله ولا ينقض بعضه ببعض فكذلك يحمل قوله : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» في حق من يبقى على الإيمان حتى يخرج من دار الدنيا ، ويحمل ما ذكروا ـ لو كان صحيحا ـ على من خرج من الدنيا على غير إيمان ، ونكون أسعد وأولى ، لأنا نثبت الصحيح بتأويل لشيء باطل لا أصل له أن لو صحّ ، وهم يسقطون الصحيح المتفق على صحته بشيء باطل لم يصح.
فإن قيل : هذا لا يصح مع قوله عليهالسلام : «لا ينال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي» والكافر بما ذكر به ثم ليس من أمته ، قلنا : بل يصح ذلك من وجهين :
أحدهما : أنه أراد بذلك من كان من أمتي ثم ارتد ، أو نحو ذلك ، فقد يجوز أن يسمى الشيء بما كان عليه أولا ، وإن كان في الحال لا يسمى به ، ألا ترى إلى ما قال صلىاللهعليهوسلم في النبيذ : «ثمرة طيبة وماء طهور» يعني كان ثمرة طيبة وماء طهورا ، لا يريد أنه في الحال ثمرة ، وكذلك أمر صلىاللهعليهوسلم بلالا : «ارجع فناد ألا إن العبد نام» ولم يرد أنه الآن عبد ، بل أراد أنه كان عبدا ، لأن الصديق أعتق بلالا قبل ذلك. يقال لعتيق الرجل : عبد بني فلان ، أي كان عبدا لهم ، ونحو ذلك كثير. ويحتمل أن يكون سماهم من أمته ، لأنهم كانوا في عصره ووقته وقرنه ، وكل قرن يسمى أمة ، ويكون ذلك فيمن كان آمن به في وقته ثم ارتد ، فمن ذكر من أهل الردة ، أو كان في وقته ولم يؤمن ، وسماه من أمته لأنه في قرنه وعصره. فصحّ ما قلناه وبطل تعلقهم بما لا أصل له.
فإن قيل : أليس قد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من تحسّى سما وقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا» ، وروي مثله فيمن قتل نفسه بحديدة ، ومن تردى من جبل. وروي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يدخل الجنة مدمن خمر ، وعاق والديه» فهذه الأخبار معارضة لأخبار الشفاعة.