وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه، وإنما أثبوا عينين من دليل الخطاب في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «ليس بأعور» (١) وإنما أريد نفي النقص عنه تعالى، ومتى ثبت أنه لا يتجزأ لم يكن لما يتخايل من الصفات وجه.
ومنها قوله تعالى: (لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥] (٢) اليد في اللغة بمعنى النعمة والإحسان، ومعنى قول اليهود لعنهم اللّه تعالى: (يَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: ٦٤] أي محبوسة عن النفقة؛ واليد القوة يقولون: له بهذا الأمر يد.
وقوله: (بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ) [المائدة: ٦٤] أي نعمته وقدرته(٣). وقوله: (لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥] أي بقدرتي ونعمتي. وقال الحسن: (يدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح: ١٠] أي منته وإحسانه، هذا كلام المحققين.
وقال القاضي (أبو يعلى) اليدان صفتان ذاتيتان تسميان باليدين. وهذا تصرف بالرأي لا دليل عليه، وقال: لو لم يكن لآدم عليه الصلاة والسلام مزية على سائر الحيوانات بخلقه باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله فقال: (بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥] ولو كانت القدرة لما كانت له مزية، ولو كانت القدرة لم تثن.
قلنا: بلى قالت العرب ليس لي بهذا الأمر يدان أي ليس لي به قدرة، قال عروة بن حزام:
فقالا شفاك اللّه واللّه ما لنا |
|
بما ضمنت منك الضلوع يدان |
__________________
(١) طالع الحديث الخمسين الآتي ترى مزيد تفصيل عن هذا الخبر.
(٢) يقول الزمخشري: أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه، فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما، حتى قيل في عمل القلب: هو مما عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدي له: يداك أوكتا وفوك نفخ، وحتى لم يبق فرق بين قولك: هذا مما عملته وهذا مما عملته يداك ا. ه وقال الراغب الأصبهاني في مفرداته: قوله تعالى: (مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا) [يس: ٧١] وقوله: (لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥] عبارة عن توليه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عزّ وجل، وخصّ لفظ اليد ليتصور لنا المعنى إذ هو أجل الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا ليتصور لنا اختصاص المعنى لا لنتصور منه تشبيها، وقيل معناه بنعمتي التي رشحتها لهم، والباء فيه ليس كالباء في قولهم: قطعته بالسكين بل هو كقولهم: خرج بسيفه أي معه سيفه، معناه خلقته ومعه نعمتاي الدنيوية والأخروية اللتان إذا رعاهما بلغ بهما السعادة الكبرى.
وقال العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره محاسن التأويل: (لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥] أي بنفسي من غير توسط كأب وأم.
(٣) في أساس التقديس لمجدد القرن السادس الفخر الرازي: والسبب في حسن هذا المجاز أن كمال حال هذا العضو إنما يظهر بالصفة المسماة بالقدرة فلما كان المقصود من اليد حصول القدرة أطلق اسم القدرة على اليد، ولأن آلة إعطاء النعمة اليد فإطلاق اسم اليد على النعمة إطلاق لاسم السبب على المسبب.