وقولهم: ميّزه بذلك عن الحيوان فقد قال تعالى: (خَلَقْنٰا لَهُمْ مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً) [يس: ٧١] ولم يدل على تمييز الأنعام على بقية الحيوان.
قال تعالى: و (السَّمٰاءَ بَنَيْنٰاهٰا بِأَيْدٍ) [الذّاريات: ٤٧] أي بقوة ثم قد أخبر أنه قد نفخ فيه من روحه ولم يرد الوضع بالفعل والتكوين، والمعنى نفخت أنا، ويكفي شرف الإضافة إذ لا يليق بالخالق جلّ جلاله سوى ذلك لأنه لا يحتاج أن يفعل بواسطة، ولا له أعضاء وجوارح يفعل بها لأنه تعالى الغني بذاته؛ فلا ينبغي أن يتشاغل بطلب تعظيم آدم عليه الصلاة والسلام مع الغفلة عما يستحقه الباري سبحانه من التعظيم بنفي الأبعاض والآلات في الأفعال، لأن هذه الأشياء صفة الأجسام.
وقد ظنّ بعض الثلاثة أن اللّه تعالى يمسّ حتى توهموا أنه مس طينة آدم بيد هي بعض ذاته، وما فطنوا أن من جملة مخلوقاته جسما يقابل جسما فيتحد به ويفعل فيه، أفتراه سبحانه وتعالى جعل أفعال الأشخاص والأجسام تتعدى إلى أجسام بعيدة ثم يحتاج هو في أفعاله إلى معاناة الطين؟ وقد ردّ قول من قال هذا بقوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٥٩) [آل عمران: ٥٩].
ومنها قوله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ) [آل عمران: ٢٨] وقوله تعالى: (تَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِي وَلاٰ أَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِكَ) [المائدة: ١١٦] قال المفسرون: ويحذركم اللّه إياه، وقالوا: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك، وقال المحققون: المراد بالنفس هاهنا الذات، ونفس الشيء ذاته.
وقد ذهب القاضي (أبو يعلى) إلى أن للّه تعالى نفسا وهي صفة زائدة على ذاته، وهذا قول لا يستند إلا إلى التشبيه لأنه يوجب أن الذات شيء والنفس غيرها. ومنها قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى: ١١](١). ظاهر الكلام أن
__________________
(١) يقول الزمخشري في الكشاف: قالوا مثلك لا يبخل فنفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية لأنهم إذا نفوه عمن يسدّ مسدّه وعمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه، ونظيره: قولك للعربي العرب لا تخفر الذمم كان أبلغ من قولك: أنت لا تخفر ومنه قولهم: قد أيفعت لذاته وبلغت أترابه يريدون إيفاعه وبلوغه اه.
وقال الراغب: إن الندّ يقال فيما يشارك في الجوهر فقط والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط والمثل عام في جميع ذلك ولهذا لما أراد اللّه نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى: ١١] وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف فنفى بليس الأمرين جميعا وقيل المثل هاهنا بمعنى الصفة ومعناه: ليس كصفته صفة تنبيها على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر.