ثم نقول : إن الذين ذهبوا إلى حجية الإجماع لم يتفقوا على شيء يحتج به فيه سوى الأحكام الشرعية العملية ، أما الحسيات المستقبلة من أشراط الساعة وأمور الآخرة فقد قالوا : «إن الإجماع عليها لا يعتبر من حيث هو إجماع لأن المجمعين لا يعلمون الغيب ، بل يعتبر من حيث هو منقول عمن يطلعه الله على الغيب ، فهو راجع إلى الإخبارات فيأخذ حكمها ، وليس من الإجماع المخصوص بأمة محمد صلىاللهعليهوسلم لأن الحسي المستقبل لا مدخل للاجتهاد فيه ، فإن ورد به نص فهو ثابت به ولا احتياج إلى الإجماع ، وإن لم يرد به نص فلا مساغ للاجتهاد فيه» (١) وعلى هذا تخضع جميع الأخبار التي تتحدث عن أشراط الساعة ومن بينها نزول عيسى إلى مبدأ قطعية النصوص وظنيها في الورود والدلالة.
خلاف قديم وحديث في المسألة :
وعلى فرض أن أشراط الساعة مما يخضع للإجماع الذي اصطلحوا عليه نقول :
إن نزول عيسى قد استقرّ فيه الخلاف قديما وحديثا :
أما قديما فقد نصّ على ذلك ابن حزم في كتابه «مراتب الإجماع» حيث يقول : «واتفقوا على أنه لا نبي مع محمد صلىاللهعليهوسلم ولا بعده أبدا ، إلا أنهم اختلفوا في عيسى عليهالسلام : أيأتي قبل يوم القيامة أم لا؟ وهو عيسى ابن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد عليهالسلام» ، كما نصّ عليه أيضا القاضي عياض في شرح مسلم ، والسعد في شرح المقاصد ، وقد سقنا عباراته قريبا وهي واضحة جلية في أن المسألة ظنية في ورودها ودلالتها!
وأما حديثا فقد قرر ذلك كل من الأستاذين المغفور لهم : الشيخ محمد عبده والسيد رشيد رضا ، والأستاذ الأكبر الشيخ المراغي.
فالشيخ محمد عبده رضي الله عنه يذكر وهو بصدد تفسير آية آل عمران : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥] «أن للعلماء هنا طريقتين : إحداهما وهي المشهورة أنه رفع بجسمه حيّا وأنه سينزل في آخر الزمان فيحكم بين الناس بشريعتنا ثم يتوفاه الله تعالى ... والطريقة الثانية أن الآية على ظاهرها ، وأن التوفي على معناه الظاهر المتبادر منه وهو الإماتة العادية وأن الرفع يكون بعده وهو
__________________
(١) التحرير.