وصفاته إلا هو وقوله تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ (٢)) [الإخلاص : ٢] قيل هو الذي أيست العقول من أن تطلع عليه أو تدرك ما وصف به نفسه ونسب إليه ، وقيل هو السيد الذي لا نهاية لسؤدده وقيل هو المصمود إليه في الحوائج وقيل هو الذي لا يستغني عنه شيء من الأشياء.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : معناه الذي لا جوف له وقيل غير ذلك ، وقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣)) [الإخلاص : ٣] نفي الجنسية والبعضية ، وقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)) [الإخلاص : ٤] نفي الشريك والنظير فهو الذي لا نظير له في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فتعالى أن تدركه الأوهام والعقول والعلوم بل هو كما وصف نفسه والكيفية عن وصفه غير معقولة ولا موهومة كيف يكون ذلك وهو قديم الذات والصفات والتخيل إنما يكون في المحدثات.
وسئل الإمام العلامة أبو الحسن الدينوري عن الاستدلال بالشاهد على الغائب فقال : كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين وذو مثل على من لا يشاهد ولا يعاين في الدنيا ولا نظير له ولا مثل هذا من جهل الجاهلين بالآيات التي قلبوا بها حقائق الأمور فجعلوا الآيات صفات ومعنى الآيات العلامات ، وهو كلام إمام محقق وقد زلّ خلق كثير بمثل ذلك ، فسبحان الأحدي الذات العلي الصفات المنزّه عن الآلات ، المقدّس عن الكيفيّات ، المنزّه عن مشابهة المخلوقات ، تعالى عما يقوله من الإلحاقات ، كيف يقاس القادر بالمقدورات والصانع بالمصنوعات ، وهي من آياته البينات الظاهرات ، رفع السماوات وبسط الأرض وثبتها بالأوتاد الراسيات ، وأتحفها بالمزن الماطرات ، فزهت بأنواع النباتات المختلفات ، كذلك يحيي الموتى.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) [الحديد : ١٧] قال : أرباب البصائر وذوو التحقيقات : ليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم من جهة المعنى ولا لصفته صفة من جميع الوجوه إلا من جهة موافقة اللفظ وكما لم يجز أن يظهر من مخلوق صفة قديمة كذلك يستحيل أن يظهر من الذات الذي ليس كمثله شيء صفة حديثة وأن التكرار من حدوث الصفة جلّ ربنا أن يحدث له صفة أو اسم إذ لم يزل بجميع صفاته واحدا ولا يزال كذلك وكل أمور التوحيد والتفريد خرجت (١) من هذه الكلمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] لأنه ما عبر عن الحقيقة بشيء إلا والعلة مصحوبة والعبارة منقوضة لأن الحق لا ينبعث (٢) إقداره إلا على إقراره لأن كل
__________________
(١) أي ظهرت للمؤمنين وفهموها من هذه الكلمة ، اه مصححه.
(٢) قوله : لا ينبعث هو لا تنعت الخ بدليل قوله بعد ذلك : لأن كل ناعت الخ ، اه مصححه.