ناعت مشرف على المنعوت وجلّ ربنا أن يشرف عليه مخلوق. احتجب عن خلقه بخلقه ثم عرفهم صنعه بصنعه وساقهم إلى أمره بأمره فلا يمكن الأوهام أن تناله ولا العقول أن تختاله (١) ولا الأبصار أن تمثله ، ولا الأسماع أن تستمله (٢) ، ولا الأماني أن تمتحنه ، هو الذي لا قبل له ولا مقصر (٣) عنه ولا معدل ، ولا غاية وراءه ولا مثل ، ليس له أمد ولا نهاية ولا غاية ولا ميقات ولا انقضاء ، ولا يستره حجاب ، ولا يقله مكان ولا يحويه هواء ، ولا يحتاطه (٤) فضاء ، ولا يتضمنه خلاء.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] قال ابن عباس رضي الله عنهما : (معنى الآية ليس له نظير) وقيل الكاف صلة أعني زائدة فالمعنى ليس مثله شيء وقيل المثل صلة فالمعنى ليس كهو شيء فأدخل المثل للتأكيد فمن الجهل البين أن يطلب العبد درك ما لا يدرك وأن يتصور ما لا يتصور كيف وقد نزّه نفسه بنفسه عن أن يدرك بالحواس ، أو يتصور بالعقل الحادث والقياس ، فلا يدركه العقل الصحيح من جهة التمثيل ، ويدركه من جهة الدليل ، فكل ما يتوهمه العقل فهو جسم ولا (٥) نهاية في جسمه وجنسه ونوعه وحركته وسكونه مع ما يلزمه من الحدود والمساحة ومن الطول والعرض وغير ذلك من صفات الحدث تعالى الله عن ذلك فهو الكائن قبل الزمان والمكان المحدثين وهو الأول قبل سوابق العدم ، الأبدي بعد لواحق القدم ، ليس كذاته ذات ، ولا كصفاته صفات ، جلت الذات القديمة الواجبة الوجود التي لم تسبق بقدم (٦) أن تكون كالصفة الحديثة.
قال تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧)) [مريم : ٦٧] فهو سبحانه وتعالى احتجب عن العقول والأفهام كما احتجب عن الإدراك والأبصار فعجز الخلق عن الدرك والدرك عن الاستنباط وانتهى المخلوق إلى مثله وأسنده الطلب إلى شكله.
__________________
(١) يريد أن تتخيله ، اه مصححه.
(٢) لعلها تشمله أي هو ليس من جنس الأصوات فتسمعه الأسماع ، اه مصححه.
(٣) لعلها مفر ، اه مصححه.
(٤) لعل الأصل ولا يحيط به الخ ، اه مصححه.
(٥) قوله : ولا نهاية صوابه وله نهاية الخ كما هو ظاهر ، اه مصححه.
(٦) قوله بقدم هو بعدم كما هو واضح ، اه مصححه.