قالوا : (إن البشرية في نبيه صلىاللهعليهوسلم عارية (١) وأضافه دون الحقيقة) وهو كلام حكيم منوّر القلب.
وقال بعضهم : لم يظهر الحق سبحانه وتعالى مقام الجمع على أحد بالتصريح إلا على أخص نسمة وأشرفها وهو المصطفى فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] ومنها قوله تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)) [الشّرح : ٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر ، فلو أن عبدا عبد الله وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم يسمع منه ولم ينتفع بشيء وكان كافرا.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم سأل جبريل عليهالسلام عن هذه الآية فقال : «قال الله عزوجل إذا ذكرت ذكر معي» وقال قتادة رضي الله عنه : «رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة» وقيل : رفع ذكره بأخذ الميثاق على النبيين وألزمهم الإيمان به والإقرار به ، وقيل : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)) [الشرح : ٤] ليعرف المذنبون قدر رتبتك لدي ليتوسلوا بك إلي فلا أرد أحدا عن مسألته فأعطيه إياها إما عاجلا وإما آجلا ولا أخيب من توسل بك وإن كان كافرا ، ألا ترى قوله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٨٩] وسيأتي الكلام على هذه الآية ، وقيل غير ذلك.
ولما هاجر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة قيل : بكت مكة لفقده بدموع الحرقة على الخد وقالت : وا أسفاه على من أنزل عليه (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١)) [البلد : ١] وهو مكة لحلولك فيه ومن جعل لا أصلية فالمعنى (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١)) [البلد : ١] وأنت حال فيه بل أقسم بك وبحياتك وهذا يدل على علو قدره عند ربه ورفعته التي لم يفز بها غيره.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن جبريل عليه الصلاة والسلام قال : قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما من رواية أبي الجوزاء رضي الله عنه : ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ
__________________
(١) قوله عارية وأضافه دون الحقيقة لفظ أضافه بالضمير هو إضافة بالتاء ومعنى هذا الكلام غامض وكأن قائليه يريدون أن يقولوا إن حقيقته صلىاللهعليهوسلم ملكية وإن كانت صورته بشرية وهو معنى يكون مدحا إن سلّم أن حقيقة الملكية أفضل من حقيقة البشرية وليس لنا قسم آخر يراد إلحاقه صلىاللهعليهوسلم به إلا الإلهية ولا يتصور أن يكون مرادا للقائلين فليعلم ، اه مصححه.