نفسا أكرم على الله من محمد صلىاللهعليهوسلم ولا رأيت الله عزوجل أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)) [الحجر : ٧٢] والعمه في البصيرة والعمى في البصر.
وفي رواية عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما المعنى وعيشك يا محمد إنهم لفي سكرتهم يعمهون ، وقال بعضهم : أقسم بحياة محمد لأن حياته كانت به وهو في قبضة الحق وبساط القرب وشرف الانبساط ومقام الاتفاق الذي لا يقوم به غيره فبحياتك يكون القسم فإن الكل زاغوا وما زغت ومالوا وما ملت حتى برأناك ونزلناك منزلة ما نالها غيرك ولا ينالها أحد سواك وقيل المعنى وحياتك التي خصصت بها بين الخلق فحيوا بالأرواح وحييت بنا ولهذا تتمة مهمة ذكرتها في المولد يتعين الوقوف عليها.
وقيل : أقسم الله عزوجل في الأزل بحياته ليظهر شرفه وعلو قدره ودنو منزلته عنده ليتوسل المتوسلون به إليه قبل بروزه إلى الوجود وفي حياته وبعد وفاته وفي عرصات القيامة ولهذا وغيره لم يزل أهل الإيمان يتوسلون به في حياته وبعد وفاته من غير نكير ، وكان أهل الكتاب لهم علم من ذلك فكانوا يتوسلون به قبل وجوده فيستجاب لهم كما قال الله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٨٩].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كانت أهل خيبر تقاتل غطفان كلما التقوا هزمت غطفان يهود فعاذت يهود بهذا الدعاء : اللهم إنا نسألك بحق النبي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا ودعوا بهذا الدعاء هزمت يهود غطفان ويهود غير منصرف للعلمية والتأنيث علم على (١) قبيلة فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم كفروا به فأنزل الله عزوجل : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٨٩] أي يدعون بك يا محمد ، إلى قوله : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩].
وإذا كان عزوجل يستجيب لأعدائه بالتوسل به صلىاللهعليهوسلم إليه سبحانه مع علمه عزوجل بأنهم يكفرون به ويؤذونه ولا يتبعون النور الذي أنزل معه قبل وجوده وبروزه إلى الوجود وإرساله رحمة للعالمين فكيف لا يستجيب لأحبائه إذا توسلوا به بعد وجوده عليه الصلاة والسلام وبعثته رحمة للعالمين ، وإذا كان رحمة للعالمين فكيف لا يتوسل ولا يتشفع به.
__________________
(١) هي أمة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، اه صاحب الفرعية.