قوله : قالوا : فإنه يوهم أن هذا الذي قاله لم يقله من عند نفسه وإنما نقله عن أئمة المسلمين وأنه مجمع عليه وهذا شأنه يدلس في الإغراء ليحمل الناس على عقيدته الفاسدة المفسدة لأنه لو عزاه إلى نفسه لما انتظم له ذلك لعلم الحذّاق النقاد بسوء فهمه وكثرة خلطه مما عرفوه منه في بحثه وتدوينه إذا انفرد ، فقوله : (لأن السفر إلى قبور الأنبياء) يشمل قبر الخليل والكليم وقبر النبي صلىاللهعليهوسلم وغيرهم ، وقوله : (والصالحين) يشمل قبور الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم وهو مطالب بتصحيح ما عزاه إلى أئمة المسلمين وأنه مجمع عليه وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا بل المنقول خلاف ذلك كما تراه ، وقوله : (إن السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين) هذا من الفجور والإفك المبين.
ولم تزل الناس على زيارة قبر الخيل والكليم وغيرهما في سائر الأعصار من جميع الأمصار.
وهذا بلال مؤذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سافر من الشام إلى المدينة الشريفة لزيارة قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وممن ذكر ذلك الحافظ ابن عساكر والحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه (الإكمال في ترجمة بلال) وقال فيه : ولم يؤذن لأحد بعد النبي صلىاللهعليهوسلم فيما يروى إلا مرة واحدة في قدمة قدمها إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلب إليه الصحابة رضي الله عنهم ذلك فأذن لهم ولم يتم الأذان وقيل إنه أذن لأبي بكر رضي الله عنه في خلافته اه.
وممن ذكر ذلك أيضا إمام الأئمة في الحديث أبو الحجاج الشهير بالمزي (١) وسبب سفر بلال رضي الله عنه لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام أنه رأى النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام فقال له : «ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال؟» فانتبه من نومه حزينا وجلا خائفا ، فقعد على راحلته من حينه وقصد المدينة فأتى قبره عليه الصلاة والسلام فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما إليه فجعل يضمهما ويقبلهما ثم قالا له : يا بلال نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن للنبي صلىاللهعليهوسلم في المسجد فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف ، فلما أن قال الله أكبر ارتجت المدينة ، فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله ازدادت رجتها ، فلما قال أشهد أن سيدنا محمدا رسول الله خرجت العواتق من خدورهن وقالوا : أبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك اليوم.
__________________
(١) المزي بكسر الميم وتشديد الزاي نسبة إلى قرية بالشام ، اه مستنسخ الأصل.