فهذا بلال من سادات الصحابة رضي الله عنهم قد شدّ رحله من الشام وسافر لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام فقط ، وأعلم بذلك الحسن والحسين ، وطار بذلك الخبر في المدينة وكان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم ينكر عليه ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
ولو كان السفر لزيارة قبره مخالفا للسنة ولإجماع الأمة لأنكروا عليه لأنهم ينكرون أدنى شيء من المخالفات ولا سيما عمر وهو أمير المؤمنين وأشد الناس في الإنكار وأبطشهم يدا وأحدهم لسانا ووقوفا مع الحق ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وأيضا فمن الشائع الذائع أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يبرد البريد من الشام لأجل السلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقط ، ذكر هذا غير واحد منهم القاضي عياض في أشهر كتبه وهو (الشفاء) وذكره الإمام هبة الله في كتابه (توثيق عرى الإيمان) وذكره الإمام العلامة ابن الجوزي في كتابه (مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن) وذكره الإمام أبو بكر أحمد بن النبيل في مناسك له لطيفة جردها من الأسانيد والتزم فيها الثبوت ولفظه : وكان عمر بن عبد العزيز يبعث بالرسول قاصدا من الشام إلى المدينة ليقرئ النبي صلىاللهعليهوسلم السلام ثم يرجع ، وهذا الإمام أبو بكر قديم توفي في سنة سبع وثمانين ومائتين ، فهذا السيد الجليل عمر بن عبد العزيز يبعث الرجل لأجل السلام فقط لا لقصد آخر ، وكان ذلك في زمن صدر التابعين ، وكان سفر بلال في زمن صدر الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر ذلك أحد ، فدلّ على أن السفر لأجل زيارة قبره صلىاللهعليهوسلم ولأجل السلام عليه مجمع عليه بين الصحابة والتابعين فأين دعوى ابن تيمية أن ذلك مخالف للسنة ولإجماع الأمة ، وقد تقدم قول عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار ألا تسافر لتزور قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتتمتع بزيارته ، فقال : نعم يا أمير المؤمنين أفعل. وهذا أو بعضه كاف في إبطال دعوى ابن تيمية وإثبات فجوره وأتبرع بزيادة وأقتصر غاية الاقتصار.
قال بعض الأئمة : وأما زيارة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم فلم ينكرها أحد ولم يقع في السفر إليها نزاع ولم يزل سفر الحجيج إليه في السلف والخلف ، وصدق رضي الله عنه ، وهذه كتب العلماء من جميع المذاهب مصرحة بذلك ، وقد تقدم قول القاضي عياض : زيارة قبره صلىاللهعليهوسلم سنّة من سنن المرسلين ومجمع عليها ومرغّب فيها ، واحتج بحديث ابن عمر وأنس رضي الله عنهم ، وقد ذكر غير القاضي عياض ما ذكره. وإذا تقرر ذلك ففي ذكرى ما أتبرع به مع غاية الاقتصار تتحقق أن ابن تيمية من أعظم الكذبة والفجار ، وقد انكشف لك ذلك كما انكشف ضوء النهار.