قال عليه الصلاة والسلام : «إن بين يدي الساعة دجاجلة (١) فاحذروهم» رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
وقوله : وفي الصحيحين عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «في مرض موته لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا» قالت عائشة : ولو لا ذلك لأبرزوا قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا فهم دفنوه في حجرة عائشة خلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحاري لئلا يصلي أحد عند قبره ويتخذ مسجدا ويتخذ قبره وحدثنا ، الخ.
تأمّل بصّرك الله تعالى وفهّمك كيف بعد تضليل هذه الأئمة وفجوره بادعاء أن هذه الأحاديث المتعلقة بالزيارة كذب كيف أردف ذلك بهذا الحديث محتجا به على منع زيارة القبر الشريف وفيه من أقوى الأدلة على تدليسه وسوء فهمه ، إذ الحديث ليس فيه تعرض للزيارة البتة وإنما فيه منع اتخاذ القبور مساجد ، ونحن لم نتخذ قبره المكرّم المعظّم مسجدا ولا نصلي فيه ولا إليه بل نزوره وندعوا مع الأدب والخشوع والسكينة ورؤية العظمة لعلمنا بأنه يسمعنا ويجيبنا ، وعلى ذلك جرت عادة المؤمنين.
قال بعضهم : رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتى قبر النبي صلىاللهعليهوسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه قد افتتح الصلاة فسلّم على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم انصرف ، وقوله : فهم دفنوه في حجرة عائشة رضي الله عنها خلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحاري لئلا يصلي أحد عند قبره ويتخذ مسجدا فيتخذ قبره وحدثنا.
هذا أيضا من التدليس منه وسوء الفهم على عادته ، وما قاله باطل يموه به على الضعفاء من الطلبة وغوغاء الناس ، وإنما دفنوه في حجرة عائشة رضي الله عنها لما روي لهم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدفنون حيث يقبضون وكان ذلك بعد اختلافهم أين يدفن فقال بعضهم : يدفن في مسجده ، وقال بعضهم : مع إخوانه ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : عندي من ذلك علم ، فذكر لهم أن النبي يدفن موضع يقبض ، فلما روي لهم الحديث دفنوه موضع قبضه ، وهذا من القضايا المشهورة في غاية الشهرة ، ولا نعلم أن أحدا قال إنهم دفنوه موضع قبضه للمعنى الذي ذكره وهذا شأنه إن وجد شيئا يوافق هواه وخبث طويته ذكره ووسع الكلام فيه وزخرفه وإن وجد شيئا عليه أهمله أو حمله على محمل يعرف به أهل النقل جهله وتدليسه عند تأمله في بعض المواضع يعرف من غير تأمل.
__________________
(١) هذا إخبار من المصنف إلى أن هذا الرجل دجال وهو يؤيد ما سبق لنا من أن أفعاله أفعال دجاجلة ، اه مصححه.