الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر ، ثم قال : وأما وقت السلام فقال أبو حنيفة : يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر.
وقال أكثر الأئمة : يستقبل القبر عند السلام خاصة ولم يقل أحد من الأئمة إنه لا يستقبل القبلة عند الدعاء إلا في حكاية مكذوبة عن مالك ومذهبه بخلافها ثم أردف هذا بأمور يجسر بها على الأغمار يتخيل الواقف عليها من العوام حسم باب الزيارة لقبره عليه الصلاة والسلام.
والحاصل من كلامه أنه لا يدّعي عند القبر بالاتفاق ولا يستقبل القبر عند الدعاء بالإجماع ، وأن الحكاية التي وقعت بين مالك وأبي جعفر المنصور كذب ، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهذا من الفجور الذي لا أعلم أحدا فاه به ولا رمز إليه لا من العلماء ولا من غيرهم.
أما قضية مالك مع المنصور فقد ذكرتها في الكلام على التوسل فإنها صحيحة بلا نزاع ، وأما الدعاء عند القبر فقد ذكره خلق ومنهم الإمام مالك ، وقد نصّ على أنه يقف عند القبر ويقف كما يقف الحاج عند البيت للوداع ويدعو وفيه المبالغة في طول الوقوف والدعاء.
وقد ذكره ابن المواز في الموازية فأفاد ذلك أن إتيان قبر النبي صلىاللهعليهوسلم والوقوف عنده والدعاء عنده من الأمور المعلومة عند مالك وأن عمل الناس على ذلك قبله وفي زمنه ، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لأنكره فضلا عن أن يفتي به أو يقره عليه.
وقال مالك في رواية ابن وهب : إذا سلّم على النبي صلىاللهعليهوسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ويدعو ويسلّم ولا يمس القبر بيده ، نعم في المبسوطة لا أرى أنه يقف عنده ويدعو ولكن يسلّم ويمضي.
وإنما ذكرت كلام المبسوطة لأن من حق العالم الذي يؤخذ بكلامه أن يذكر ما له وما عليه لأن ذلك من الدين.
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله السامري في كتاب المستوعب في باب زيارة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم : وإذا قدم مدينة رسول الله صلىاللهعليهوسلم استحب له أن يغتسل لدخوله ثم يأتي مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويقدم رجله اليمنى في الدخول ثم يأتي حائط القبر فيقف ناحيته ويجعل القبر تلقاء وجهه والقبلة خلف ظهره والمنبر عن يساره.