ثم ذكر كيفية السلام والدعاء وأطال ومنه : اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك عليه الصلاة والسلام (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) [النّساء : ٦٤] الآية ، وإني قد أتيتك مستغفرا فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حال حياته اللهم إني أتوجه إليك بنبيك» وذكر دعاء طويلا ثم قال : وإذا أراد الخروج عاد إلى القبر فودّع ، وهذا أبو عبد الله من أئمة الحنابلة ، وساق هذا الكلام سياق المتفق عليه.
ومن جملة ما أفاد أنه يتوسل بالنبي صلىاللهعليهوسلم ويتوجه به بعد وفاته كما في حياته وأن الآية عامة وشاملة للحياة وبعد الوفاة فتنبّه لذلك. وكذلك ذكره أبو منصور الكرماني من الحنفية أنه يدعو ويطيل الدعاء عند القبر المكرم.
وقال الإمام أبو زكريا النووي في مناسكه وغيره فصل في زيارة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم : وذكر كلاما مطولا ثم قال : «فإذا صلّى تحية المسجد أتى القبر فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربعة أذرع من جدار القبر وسلّم مقتصدا لا يرفع صوته» وذكر كيفية السلام ثم قال : «ويجتهد في إكثار الدعاء ويغتنم هذا الموقف الشريف» الخ.
فهذه نقول الأئمة بتطويل الدعاء عند القبر المكرّم وقد خاب من افترى ، وكل أحد تلحقه الخيبة على قدره.
وقوله : وهذا كله محافظة على التوحيد فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد كما قال طائفة من السلف في قوله تعالى : (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) [نوح : ٢٣] وقد أضلّوا كثيرا.
قالوا : كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا اعتكفوا على قبورهم ثم صوروا على صورهم تماثيل ثم طال عليهم الأمد فعبدوها ، وقد ذكر ذلك المعنى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما وذكره ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره عن غير واحد من السلف ، الخ.
وأنت أيها اللبيب أرشدك الله عزوجل وزادك بصيرة وفهما إذا تأملت هذا الاستدلال منه قطعت بجهله وبخلطه في خبطه وعلمت بذلك سوء فهمه وخيالاته الفاسدة ، ومن نفس الدليل تعلم ذلك ، فإنه تخيل بذهنه الجامد وخياله الفاسد أن منع الزيارة والسفر إليها من المحافظة على التوحيد ، وأن الزيارة تؤدي إلى الشرك وعبادة الأوثان ، وهذا خيال فاسد لأن اتخاذ الصور مساجد وعيدا ، والعكوف وتصوير الموتى فيها هو المحذور والمؤدي إلى الشرك عند تطاول الزمان ، وهذا هو الممنوع منه كما